أزمة سدّ النهضة... هل من حلول؟
رشا النجار رشا النجار

أزمة سدّ النهضة... هل من حلول؟

أعلنت إثيوبيا في 26 شباط الماضي انسحابها من الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة التي كان من المقرّر عقدها في واشنطن برعاية الإدارة الأمريكية وصندوق النقد الدولي، تلا ذلك الحديث عن مقترح إثيوبي بتوقيع اتفاق جزئي حول ملء سد النهضة في بداية شهر تموز، وهو ما تمّ رفضه من الجانب السوداني.

يُذكر أنّ الانسحاب الإثيوبي– وخلافاً لما تمّ تداوله حول أن الانتخابات هي السبب فيه- جاء بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو إلى إثيوبيا وإدلائه بتصريحاتٍ قال فيها: إنّ مفاوضات سد النّهضة الثلاثيّة قد تمتد لعدّة أشهر، في حين كان التبرير الإثيوبي هو الحاجة إلى مزيد من الوقت لاستكمال مشاورات داخلية حول الملف. فما هو مصير هذه المفاوضات؟ وما الخيارات المتاحة أمام مصر فيما لو عزمت إثيوبيا على المضي بخططها بملء السد دون موافقة مصر والسودان؟

تاريخ أزمة مياه النيل

يشكّل نهر النيل عصب الحياة بالنسبة لأغلب دول حوض النيل ولا سيّما المصريين، حيث يؤمن النهر الجزء الأساسي من احتياجاتهم، كما أنّه يدخل في مختلف النشاطات الاقتصادية من زراعة وسياحة تجارة ونقل. ونتيجة لهذه الأهمية برزت صراعات كثيرة حول تقاسم مياه النيل، ممّا اضطر مصر إلى عقد اتفاقيات دولية تضمن بها الحفاظ على أمنها المائي، كان أهمها: الاتفاق الذي جرى سنة 1929 مع السودان (التي كانت تحت الاحتلال البريطاني آنذاك) والذي يعطي مصر حق النقض (الفيتو) على أيّ مشروع يُقام على النيل ويؤثر على حصة مصر من المياه. تلاه توقيع اتفاقية أخرى سنة 1959 تضمّنت حق مصر في 50% من مياه النيل.
ومع ذلك ظلّ تقاسم مياه النيل هاجساً لدى دول المنبع، بالأخصّ إثيوبيا كونها تزوّد النيل بـ85% من مائه من رافد النيل الأزرق، وكانت أوّل محاولة لهم في بناء سدّ–ودون موافقة المصريين- في سنة 1976، ولكنها باءت بالفشل لأنّ المصريين دمّروا المعدّات قبل وصولها لإثيوبيا. وفي 2011 جرت المحاولة الثانية، حيث أعلنت إثيوبيا عن نيتها بناء سدّ النهضة بهدف توليد الطاقة الكربائية، معربةً عن أنّ هذا المشروع هو مشروع حياة أو موت، وأنّها لا تعترف بالاتفاقيات التي تمّ توقيعها في الحقبة الاستعمارية، وبذلك لم تتمكن مصر من استخدام حق النقض ضدّها.

أسباب الخلاف بين مصر وإثيوبيا

لم يعدّ إنشاءُ سدّ من عدمه موضع خلاف، فالسدّ تم إنجاز حوالي 70% منه حتى الآن، ومراعاةً للمخاوف المصرية تمّ في 2015عقد اتفاق ثلاثي (مصري- سوداني- إثيوبي)، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية في 2019 كوسيط فيه. وما زالت المفاوضات مستمرة من أجل الوصول لحلول ترضي الطرفين، على الأقلّ ظاهرياً. حيث يبدو الخلاف المصري- الإثيوبي خلافاً حول القضايا الفنّية، فالسّد يحتاج إلى 20-24 مليار م3 من المياه كحدّ أدنى لتشغيل العنفات الأولى. والمصريون لا يمانعون بشرط أن يتمّ احتجاز هذه الكمية خلال أطول فترة زمنية ممكنة (سبع سنوات كحدّ أدنى)، أمّا الإثيوبيون فيريدون ملء السدّ بأسرع وقت ممكن (من ثلاث إلى أربع سنوات) وهذا ما قد يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عُقباها بالنسبة لمصر في حال حدوث جفاف، ولا سيّما في ظلّ التغيّر المناخي الذي يطرأ على العالم.

مشاكل فنّية فقط؟!

دخلت أزمة سدّ النهضة عامها العاشر والمفاوضات المعلنة من أجل حلّ الأزمة تراوح مكانها، والمثير للاستغراب حقيقةً هو أنّه مع كل اقتراب من عقد اتفاق أو وصول إلى حل، يتم عرقلته بهذا الشكل أو ذاك، والموقف الإثيوبي الأخير خير دليل على ذلك. إذا، هل المشاكل الفنية صعبة إلى هذا الحدّ؟ ألا توجد حلول مرضية تحقّق مصلحة الإثيوبيين المشروعة في التنمية والحصول على الطاقة الكهربائية دون اللحاق بأذى يُذكر بالحق المصري في مياه النيل؟ لا تبدو الإجابة مستحيلة، فالكثير من الدراسات والتقارير تؤكد وجود حلول فنية لهذه المشكلة، فالأزمة بذلك ليست فنّية، بل سياسية... كيف؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي معرفة من المستفيد من استدامة أزمة كهذه بين بلدين هما الأهم جيوسياسياً واقتصادياً في إفريقيا، فمصر وإثيوبيا في حالة تنافس على دور إقليمي أساسي في المنطقة، ويعد هذا السد أحد أوراق الضغط الأساسية على مصر بغض النظر عن حاجة إثيوبيا له اقتصادياً، وهذا ما يجعل أوراق ضغط كهذه مرغوبة لدول خارج الفلك الإفريقي أيضاً، وعلى رأسها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فكلما تعرضت مصر لضغوط أكبر كانت إمكانية التحكم بدورها وحجمه أكبر، وهذا الضغط الحالي هو جزء من عملية طويلة لتحييد مصر عن لعب دورها الإقليمي لم يكن سد النهضة أولها ولن يكون آخرها.
الوضع الداخلي في مصر لا يتحمل ضغوطاً أكثر من الموجودة حالياً وهو ما يجعل سد النهضة والسدود الأخرى التي يجري الإعلان عن مشاريعها على مجرى النيل تهديداً حقيقياً للأمن القومي المصري، وهو ما يتطلب حلولاً حقيقية تضمن حقوق دول مجرى النيل، وتمنع استغلال هذه الأزمة لأغراض أخرى لن تكون في مصلحة مصر أو إثيوبيا.

خيارات مصر في مواجهة السّد الإثيوبي

هنالك العديد من الخيارات المحتملة، أسوؤها: هو حدوث النزاع العسكري، فهذا الاحتمال سيء لكلا الطرفين. الخيار الثاني: هو البحث عن بدائل لنقص المياه، والذي سيتطلّب من مصر إجراءات تقشفية، مثل: ترشيد الاستهلاك واستخدام وسائل الرّي الحديث، وما قد يترتب على ذلك من ديون وزيادة في حالة التدهور الاقتصادي المصري، أمّا الخيار الثالث والذي يبدو الأكثر منطقية: فهو حدوث ضغط خارجي لحلّ الأزمة، بعيداً عن الوساطة الأمريكية التي لم تؤتي ثمارها حتى الآن، والتي جاءت بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده للعب دور الوسيط في هذه المباحثات، فيما لو وافقت الأطراف على ذلك. فالولايات المتحدة المعروفة بـ(مونتها) على كلا الطرفين المصري والإثيوبي أرادت سحب ورقة الحل من يد الروسي أملاً في كسب المزيد من الوقت في إشعال حريقٍ جديد يُضاف إلى سلسلة الحرائق المفتعلة في المنطقة، فالحلول من الجانب الفنّي كما ذكرنا موجودة ويمكن إرضاء كلا الطرفين، ولكن الإرادة السياسية في الحل هي الحاسمة في نهاية المطاف.
الفهم السائد والذي استند لتجربة طويلة من تاريخ العالم، والذي يقول: إن حل الأزمات ينتج طرفاً خاسراً وطرفاً رابحاً، ويجري على حساب دولٍ لصالح الدول التي تجاورها، قد لا يكون الحل الوحيد لحل المشاكل فمصالح الدول الإفريقية وشعوبها ليست متناقضة، ويمكن إيجاد آليات لتوظيف ثروات القارة بما يخدم شعوبها لا كأدوات للتنازع والتنحار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
966
آخر تعديل على الأربعاء, 20 أيار 2020 14:57