في الخليج... بدؤوا بتعلم قواعد اللعبة الجديدة!

في الخليج... بدؤوا بتعلم قواعد اللعبة الجديدة!

كان سحب بطاريات الباتريوت الأمريكية في 9 من شهر أيار الحالي، الحدث الأبرز الذي يعطي مؤشراً إضافياً على التغيير الحتمي بطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين دول الخليج، العلاقة التي امتدت طويلاً وطويلاً...

تشكل العلاقة القديمة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول منطقة الخليج العربي، موضوعاً ساخناً للتحليل؛ فقد كان الدور الأمريكي في رعاية وحماية هذا النموذج وتأمين غطاء دولي له دوراً أساسياً، حتى أنه لا يمكن للبعض أن يتخيل هذه الدول بعيداً عن الظل الأمريكي، وقد تعاني من المشكلة ذاتها الطبقة الحاكمة هناك أيضاً، فهي ولدت ونشأت على هذا الترتيب، وعملية فطامهم ستكون طويلة ومرهقة. لذلك لابد من تعويضهم عن ذلك الفقد والحرمان القاسي. وإن كان البعض يتمنى في السرّ أو العلن أن تدفع دول الخليج ثمن سوء عملها يجب ألا ننسى أن شعوب تلك الدول هي بالدرجة الأولى من سيدفع ثمن أي خراب محتمل، كما لا ننسى ترابط الدول ببعضها والذي يجعل اختلالاً بهذا الحجم، اختلالاً في المنطقة كلها لا يستثني أحداً، بل ويترك ثقلاً كبيرة على منطقتنا التي تحمل بالأصل الكثير على ظهرها المتعب. هذا لا يعني بحالٍ من الأحوال قبول الدور الخليجي الذي ساهم لسنوات بتعقيد أزماتنا وسكب الزيت على النار، ولكن إيجاد المخارج الآمنة سيكون من مصلحة الجميع، بحيث يجري التحول بأسرع ما يمكن، ولكن بأعلى قدر من الأمان والتدريجية.

الانسحاب الأمريكي عنوان المرحلة

أعلنت عدة مصادر خلال الأيام الماضية عن سحب بطاريات باتريويت أمريكية من منطقة الخليج، وتجري محاولات مختلفة لقراءة هذه الخطوة. وإن كان الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة أكبر وأوسع من بضع بطاريات باتريوت، إلا أن الإشارة بحد ذاتها شديدة الأهمية، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية التأكيد أن هذه الخطوة لم تكن فعلاً انتقامياً من السعودية على دورها في إلحاق الضرر البالغ بصناعة النفط الأمريكية، وتروج إلى أن هذا ما هو إلا «إعادة انتشار للقوات»، وهو فعلٌ روتيني ولا يعني تخليها عن دول الخليج. وجاء كلام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في السياق ذاته؛ إذ قال في تصريحاته إن هذا القرار «لم يكن بأي شكل من الأشكال محاولة للضغط عليهم (السعوديون) بشأن النفط. وهذا تحريك عادي للقوات». مضيفاً أن هذا ليس تخلياً عن دعمهم.

المشكلة أن النقاش الدائر يأخد عدة أشكال، إذ تقول بعض المصادر الأمريكية أن مستوى التهديد الإيراني قد انخفض، وبالتالي من المنطقي خفض المعدات العسكرية الموجودة، ويرى البعض الآخر أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تلقين السعوديين درساً، وقامت بهذه الخطوة كتهديد مباشر، ويضاف إلى ذلك رأي المدافعين عن «إخلاص» الأمريكيان، والذين يعيدون تذكيرنا بأعداد القوات المتواجدة والتي تعتبر بالنسبة لهم أهم من البطاريات التي جرى سحبها.

لكن إذا تذكرنا مجدداً أن الوجود العسكري الأمريكي في الخليج كان قبل كل شيء لضمان بيع النفط بالدولار عبر تقديم خدمات سخية للمنتجين الكبار، نستطيع أن ندرك أن الوجود الأمريكي ليس قضية ثانوية، بل هو أحد أهم ملامح النظام والدور الأمريكي، أي أن الوجود الأمريكي في المنطقة أساسي، والذي دُفع ثمنه مبالغ باهظة في أفغانستان والعراق وسورية والخليج... لم يكن الأمريكان يرونه «مصاريف زائدة» بل كانت بالنسبة لهم أحد دعائم «أمنهم القومي».

أطراف المعادلة تحدد مخرجاتها

العلاقة الجدلية بين طبيعة الولايات المتحدة الأمريكية وما تفرضه هذه الطبيعة على الاستراتيجية الأمريكية، هي علاقة شديدة التعقيد، وتؤثر فيها عوامل كثيرة تبدأ من مصالح النخب المنقسمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى اللاعبين الجدد على الساحة الدولية، والذين يتحركون بشكلٍ نشط لتأمين مصالحهم وأمنهم القومي. لذلك ترى بعض النخب داخل الولايات المتحدة الأمريكية أّن تغيير طبيعة الدور الذي تلعبه على الساحة الدولية لم يعد خياراً بل أمراً محسوماً، فهم يخسرون صدراتهم في الكثير من الميادين وهذا ينعكس بشكل واضح على قدرتهم في التأثير، أي أن المليارات التي كانت تدفعها الولايات المتحدة الامريكية سابقاً كانت تعطي نتائج واضحة، أما اليوم فيبدو وكأن هذه المليارات تسكب في قربة مقطوعة فلا يبقى منها شيء، بل ولا تصدر حتى صوتاً قريباً من الصوت الأصلي المطلوب! فتغيير أطراف المعادلات يغير في نتائجها، وإذا كان التوازن الدولي طرفاً في هذه المعادلة قد تغير اليوم، فهذا يعني أن المخرجات قد تغيرت أيضاً، وقد نسمع قريباً تصريحات أن عاصفة رملية في صحراء الخليج كانت سبباً لإغلاق قاعدة أو أنّ موجاً مرتفعاً يفرض سحب حاملة طائرات... أشكال الإخراج السينمائي الأمريكي متعددة، لكن النتيجة الفعلية ستكون واحدة.

السعودية اليوم تحاول التأقلم مع عالمٍ جديد، وترى في هذا العالم فرصة للّعب بشكل مختلف، قد تنجح الطبقة الحاكمة بإنجاز هذا التحول أو تفشل، ولكن هذا لا يغير كثيراً في حقيقة أن دوراً جديداً يبدأ بالظهور، لن تنقلب الذئاب إلى غزلان بالطبع، ولكن الواقع قادرٌ على ترويض الجميع بفرض قواعد جديدة، فإن أردت أن تكون لاعباً عليك معرفة قواعد اللعبة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
966
آخر تعديل على الأحد, 18 تشرين1/أكتوير 2020 09:31