ماذا لو صاغ الليبيون حلاً؟

ماذا لو صاغ الليبيون حلاً؟

على عكس معظم نقاط التوتر والصراع العسكري، لم تشهد ليبيا أي انخفاض في حدة المعارك الدائرة طوال الفترة الماضية، بل تبدو الأحداث على العكس من ذلك، متسارعة ومتلاحقة، يدفع كل تطور جديد فيها جميع الأطراف الأخرى لإبداء الرأي بالحد الأدنى أو شن الغارات وهو ما يجري غالباً.

حصلت مجموعة أحداث أساسية منذ مؤتمر برلين في كانون الثاني الماضي، والذي لم يلتزم به طرفا الصراع بشكل رسمي، لكن كيف يمكننا تلخيص ما جرى في ليبيا خلال الفترة الماضية؟ وما هي التطورات الجديدة الجارية؟

تصعيد عسكري مستمر

رغم الحديث المتكرر عن وقف إطلاق النار والذي حدث جزئياً ولأوقات محددة، إلا أن صوت الرصاص كان هو المهيمن على المشهد، فتركيا قدمت دعماً عسكرياً ولوجستياً لـ «حكومة الوفاق الليبية» برئاسة فايز السراج، وهذا انعكس ميدانياً بشكل واضح في معارك الساحل، لكن قوات حفتر لم تزل تملك أوراقاً إقليمية ودولية، ويرى بعض المحللين أن احتمالات حصول حفتر على دعمٍ عسكري بمقابل الدعم التركي هو احتمال وارد، ودعم الأطراف المتقاتلة بهذا الشكل سينتج عنه معارك أعنف ولا يعني بالضرورة الوصول إلى مخرج، فيبدو واضحاً للجميع أن للفرقاء الليبيين امتدادات إقليمية ودولية وهذا ما يجعل استمرار حروب الوكالة هذه أمراً وارداً، فتكاليف هذه الحروب تدفع بشكل أو آخر من دماء الليبيين وقد تكون ثمارها بسلال مشعليها لا مقاتليها.

يمكننا القول: إن انتصار أحد الأطراف عسكرياً ينهي القتال، لكنه لا يعني بالضرورة اجتثاث جذر المشكلة، وهو ما يعني أن قوى جديدة قد تحمل السلاح من جديد وتجدد هذا الصراع، ولكن لا يمكننا القول: إن استمرار القتال يصب في مصلحة الجميع، فهو لا يصب في مصلحة عموم الليبيين المغيبين حتى اللحظة، وهو ليس من مصلحة دول الجوار، وبالتالي يشكل ملفاً له وزن دولي، فبؤرة كليبيا تعني تهديداً حقيقياً للأمن في شمال إفريقيا والمتوسط وقد تصبح مركز تصدير للمتطرفين وخصوصاً أن التقارير تتحدث عن نقل جزء من المقاتلين ذوي الخبرة من ساحات القتال في سورية. وإذا كان من الصعب فعلياً تحديد الموقف الحقيقي للأطراف الضالعة في هذه الأزمة سيساعدنا فهمنا العميق لمصالحها بفهم موقفها مما تحمله الأيام القادمة.

اتفاق صخيرات نقطة علّام

كان اتفاق الصخيرات الذي جرى التوقيع عليه في المملكة المغربية في 2015 معبراً عن التوازن الدولي في تلك اللحظة، ويحمل إعلان المشير حفتر في 28 نيسان الماضي الخروج من هذا الاتفاق وعدم قبول نتائجه دلائل مهمة، فبغض النظر ما الذي حملته صفحات هذا الاتفاق، فالأمور تقاس بنتائجها كما يقال، إذ لم يحم هذا الاتفاق ليبيا من محنتها وبات من الضروري التفكير بالآلية التي تتحول بها مجموعة أوراق «نص الاتفاق» إلى واقعٍ على الأرض، فهذا الاتفاق لم يأخذ بعين الاعتبار «وبشكل مقصود غالباً» طبيعة هذا البلد وطبيعة الصراع الدائر فيه، فتقسيم الصلاحيات جاء على شكل تقاسمٍ لها بمجالس منفصلة فعلياً، ما لبثت أن انقضت على بعضها البعض أو اصطفت في خنادق متقابلة، وفي الوقت الذي يرى البعض أن مشكلة الاتفاق الذي لاقى دعم الأمم المتحدة في حينه هو عدم تطبيق نتائجه على أرض الواقع، يرى البعض الآخر أن هذا الاتفاق أسس بشكل غير مباشر إلى دفع الأطراف المختلفة إلى هذه الحرب المدمرة، وبالعودة لقرار حفتر الأخير فهو يُعقد الأمور، ولكنه في الوقت نفسه- وإن لم يكن حفتر واعياً لذلك– يطلق رصاصة الرحمة على حلٍ أثبتت التجربة عدم صلاحيته.

عقيلة صالح نقطة استقطاب جديدة

كان رئيس مجلس النواب الليبي عقيل صالح أعلن عن خارطة طريق لحل الأزمة الليبية، ويرى صالح في خطته هذه مخرجاً من الأزمة وقال: إن «هذه المبادرة بُنيت على أساس ما تعارف عليه الآباء والأجداد عندما بدأ العمل على حصول ليبيا على استقلالها»، واعتبر أن هذه الخريطة تضمن التوازن بين «الأقاليم التاريخية الثلاثة»، ولاقت هذه الخريطة ردود فعلٍ إيجابية لدى بعض الأطراف الدولية، إذ قالت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: إن موسكو ترى في المبادرة «فرصة لتشكيل أساس المناقشات السياسية في إطار عملية التسوية الليبية الشاملة».

لن يكون الحل مطابقاً بالضرورة لمبادرة صالح، ولكنه يؤشر على احتمال جدي لصياغة الحل من داخل ليبيا ليلقى لاحقاً الدعم الذي يحتاجه من العالم، وهو تحولٌ جذري في طبيعة الحلول السابقة التي لم تر ضرورة بوجود الأطراف الليبية كمشاركين في صياغتها، بل تعاملت معهم بوصفهم منفذين لهذه الوصفات لا صانعين لها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
965
آخر تعديل على الأحد, 18 تشرين1/أكتوير 2020 09:32