أوروبا... «التعجرف» مع غياب استراتيجية واضحة

أوروبا... «التعجرف» مع غياب استراتيجية واضحة

لم ينقطع إلى الآن الجدل حول الشكل الأفضل الذي يمكن من خلاله التصدي لوباء كورونا الحالي، وتسيطر إلى الآن اعباراتٌ سياسية في تقييم بعض تجارب الدول، على الرغم من أن ما يشهده العالم اليوم يحتاج الترفّع عن هذه الاعتبارات في سبيل حفظ أكبر عددٍ من الأرواح .

بياته لاندهفيلد
إعداد وترجمة: أمين عليا

تعد تجربة الصين في التصدي لفيروس كورونا هي الأكمل، فشهدت الصين تسجيل الحالة الأولى من المرض، وأقرت الاستراتيجية الوطنية الشاملة للتعامل مع الفيروس الجديد، حتى انحسر الانتشار بشكل تدريجي عن أراضيها ليصل إلى الصفر، ولهذا تعتبر تجربة الصين هي الأنجح على مستوى العالم حتى اللحظة، هذا لا يعني بالضرورة أن العالم لن يقدم نموذجاً مختلفاً، لكن هذا لم يحصل حتى اللحظة، لذلك تفرض هذه التجربة نفسها على العالم اليوم لتقليل الخسائر البشرية حتى وإن ترافق ذلك مع خسائر اقتصادية تسعى بعض الشركات إلى تجنبها.
تنشر «قاسيون» ترجمة مادة «تعلموا من الصين... استراتيجيات العالم الرأسمالي المتذبذبة في مواجهة الوباء» والتي نشرت في موقع الحزب الشيوعي الألماني «unsere zeit»، وفيما يلي نص المادة:

«تعلّموا من الصين»

بقدر ما نكره، نحن الشيوعيون، الرأسمالية وندين افتقارها للرعاية الصحية والاجتماعية وقلة التخطيط، إلا أنه لا يسرنا كثيراً تعرضها للتهديد من قبل فيروس ما، ذلك أن الذين يتأثرون بشكل أكبر هم الناس الأكثر فقراً والأقل دخلاً، فهم يقفون على الخطوط الأمامية في الحرب ضد فيروس كوفيد-19، يترافق ذلك بنقصٍ حاد في أجهزة التنفس والملابس الطبية الواقية بالإضافة للطواقم الطبية. وتقوم بعض الشركات بتحويل خطوط إنتاجها، ويقوم الكثيرون بحياكة الأقنعة الواقية بأنفسهم.
تتوجه أنظار العالم إلى عرين الرأسمالية: الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أعداد الوفيات هناك، والانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. حيث تتصدر الولايات المتحدة أعداد المصابين بفايروس كورونا لتليها إسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا وفرنسا. وبينما يبلغ الوباء ذروته في البلدان الرأسمالية، تشرع الصين في الوقت ذاته في الانتعاش مجدداً معيدة عجلة الحياة إلى طبيعتها شيئاً فشيئاً، كما أنها تمدّ يد العون والمساعدة للعالم كله. في هذا الصدد، يأمل فولكر ترييرر، المسؤول عن غرفة الصناعة والتجارة في ألمانيا أن «التطور الإيجابي للاقتصاد الصيني يمكن أن يخفف من عمق الركود المتوقع في ألمانيا».
قبل كل شيء علينا التغلب على هذا الوباء. لذا، ألم يحن الوقت لتتخلى نخبة مجتمعاتنا عن عجرفتها وتبدأ بالتعلم من الصين التي تمكنت (بالرغم من وجود بعض الهفوات) من مواجهة الوباء بحزم، بعزلها بوقت مبكر-23 كانون الثاني- لمدينة ووهان بؤرة الوباء ومقاطعة هوبي عن باقي المدن الصينية؟ فمن بين الـ82 ألف إصابة في الصين، نجد 67 ألف إصابة في مقاطعة هوبي وحدها. هذا العزل بالإضافة إلى الإجراءات الصارمة المفروضة على التواصل المباشر أدى إلى أن الصين أصبحت قادرة على التحكم في انتشار الوباء والحدّ منه. وإلى أن يتم إيجاد لقاح فعال، فإن الاستمرار بالفحوصات المكثفة وتتبع الفيروس هو أمر ضروري، وكما نلاحظ اليوم فإن الصين بدأت بفك القيود المفروضة بحذر.
في البلدان الرأسمالية، غالباً ما يتم التعليق على التجربة الصينية في مكافحة الفايروس بشيء من الدناءة، ووصفها على أنها «نظام استبدادي» غير وارد تطبيقه على الإطلاق في «بلدان الغرب الديمقراطية». ونتيجة العجرفة هذه، تتفوق الدول الرأسمالية العظمى والغنية على الصين بأعداد المصابين لديها، وتحجز المركز الأول لا بأعداد الإصابات فقط بل بأعداد الوفيات أيضاً. ففي البداية، كان الرأي السائد لدى النخب الرأسمالية بأن الحلّ الأمثل في مواجهة الفيروس هو المساعدة على انتشاره لتشكيل ما يسمى بـ«مناعة القطيع»، لتتصاعد احتجاجات السكان المحليين في شمالي إيطاليا مثلاً التي أدت إلى تغيير مسار الاستراتيجيات المتبعة.
إن اتباع سياسة تسهيل انتشار العدوى أو «مناعة القطيع» يعني إصابة من 60% إلى 70% من السكان بالعدوى، لترتفع نسبة الإصابة بالفايروس لدى الأشخاص ذوي الأمراض الخطيرة، ما يؤدي إلى إنهاك النظام الصحي والموارد الطبية في هذه البلدان، ليؤدي ذلك إلى نسبة وفيات مرتفعة كان يمكن تجنبها. لذلك اتجهت بعض البلدان، مثل: ألمانيا الاتحادية إلى سياسة «تسطيح منحنى العدوى» عن طريق الحدّ من التواصل المباشر وتوسيع القطاع الصحي وبناء المستشفيات الميدانية وما شابه. وبما أن الاقتصاد يفقد قدرته التنافسية مع استمرار الحظر المفروض، لذلك فمن المتوقع استمرار التذبذب في استراتيجيات الحكومات المتبعة لمحاربة الفايروس بين سياسة «مناعة القطيع» و«تسطيح منحنى العدوى». مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد دليل حتى الآن بحسب أخصائي الرئة الصيني، تشونغ نانشان، على أن الشخص الذي تعرض لإصابة الفيروس التاجي لن يُصاب به مرة أخرى، كما أن مدة الإصابة مرة أخرى هو أمر مجهول تماماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
961
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:54