«الحاضر »الجديد  والمستقبل القادم

«الحاضر »الجديد والمستقبل القادم

يجري الحديث اليوم عن طبيعة التغييرات التي سيشهدها العالم بعد الأزمة الحالية، وتكثر التحليلات والفرضيات المطروحة، وقبل إضافة فرضيات جديدة ربما المجدي تحديد بعض الحقائق التي وإن كانت تبدو صغيرة الآن إلا أنها ستتعاظم لتصبح عناوين حقبة قادمة.

في البداية لا يمكن اعتبار «كوفيد-19» مسبباً لكل ما يجري اليوم، فيستطيع أي متابع الانتباه أننا نشهد اليوم ذروة خطٍ بياني متصاعد ساهم انتشار وباء عالمي بلا شك بتسريع هذه العملية ولكنه «شعرة» سقطت على ظهر «بعير» لا أكثر.

فالولايات المتحدة التي كانت تعاني قبل سنوات قليلة من حالة انقسامٍ شديدةٍ تظهر في كل جوانب الحياة السياسية، فتبدو واضحةً حول دور الولايات الأمريكية في العالم، والحرب التجارية مع الصين، وبات مصير القوات الأمريكية في الخارج وغيرها من الملفات الساخنة الأخرى خاضعاً لتجاذبات هذا الانقسام. وكان آخر أشكاله الانتخابات الرئاسية الحالية. لكن ومع الظرف الجديد يبدو أن الواقع سيحسم جزءً كبيراً من هذه القضايا، فما هو الوقت الذي ستحتاجه الولايات المتحدة اليوم، والتي لم تصل بعد إلى ذروة تفشي الفيروس، ليستعيد اقتصادها «عافيته» مجدداً؟ هل ستسطيع البلاد المنهكة إعادة سبعة ملايين عاطل عن العمل إلى أعمالهم؟ تبدو هذه مهمةً مستحيلةً قد تحتاج سنوات. ويبدو التوجه العسكري الحالي نحو الداخل مؤقتاً ولكنه مرهونٌ أيضاً بتطورات الأوضاع في البلاد، فالولايات المتحدة لن تستطيع إدارة البلاد بملايين العاطلين عن العمل ومئات آلاف المرضى الذين يعانون من نظام صحي مهترئ، وهذا بالطبع لن يساعد في ردم الانقسام الموجود أصلاً بل سيزيد من تعقيد الأمور.

كان الاتحاد الأوروبي يعاني في الفترة قريبة الماضية من مشكلة يمكننا تكثيفها بـ«انعدام العدالة» فالشكل الذي بني الاتحاد ضمنه مكّن بعض النخب من سحب ثروات أوروبا وغيرها من دول العالم الثالث، ويبدو هذا الوضع ملائماً لبعض دول الاتحاد التي ستجلس قريباً على جماجم الأوروبيين الآخرين، فالفرق بحجم الكارثة بين إيطاليا وألمانيا مثلا هو رسم توضيحي للفارق بتمركز الثروة ضمن الاتحاد. المشكلة هذه موجودة قبل ظهور كورنا وكانت تهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي في حينه، وزاد هذا الاحتمال مع خروج بريطانيا، أما ومع ما يجري الآن فهذا الاحتمال اصبح أقرب من أي وقتٍ مضى.
أي محاولة لقراءة المستقبل يجب أن تنطلق بأن ما ذكرُ بات «حاضراً» ولم يعد موضوعاً لبرامج التحليل السياسي على شاشات التلفاز، السؤال الأهم هو كيف سيكون شكل العالم القادم؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
961
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 16:25