الأمريكيون يخرجون «بالجملة» من العراق
يزن بوظو يزن بوظو

الأمريكيون يخرجون «بالجملة» من العراق

إنّ ما تحدثت به قاسيون فيما مضى حول انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، ثم بدء مرحلة «تسارع» هذا الانسحاب، قد بات أمراً واقعاً اليوم.

فخلال الأسابيع القليلة السابقة، انسحبت القوات العسكرية الأمريكية من عدة قواعد عسكرية لها في العراق، كما انسحبت القوات الفرنسية والتشيكية، بالإضافة إلى إجلاء عدد من المستشارين العسكريين والموظفين الدبلوماسيين. وفي المقابل، فقد فشلت القوى السياسية العراقية في تشكيل الحكومة الانتقالية للمرة الرابعة على التوالي منذ انتفاضة تشرين الشعبية.

الخروج الأمريكي

بدأت سلسلة الانسحابات الأخيرة بعد تفشي الوباء الفيروسي ليشغل الساحة الإعلامية به ويُعطي غطاءً يُسهّل تنفيذ الخروج الأمريكي، وهي بالترتيب الزمني، ليعلن أولاً: عن تسليم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قاعدة القائم العسكرية في محافظة الأنبار، ثم إعلان انسحاب القوات الفرنسية والتشيكية بالكامل، وبعدها أُعلن عن تسليم قاعدة القيّارة في محافظة نينوى، ومن ثم أعلنت السفارة الأمريكية في بغداد عن إجلاء جميع موظفيها غير الأساسيين، وبعد ذلك جرى تسليم قاعدة K1 في محافظة كركوك، وتسليم مقر التحالف في محافظة نينوى، ثم قاعدة الحبّانية في محافظة الأنبار، وأخيراً وليس آخراً تسليم مقر المستشارين العسكريين للتحالف الدولي غربي العاصمة بغداد للسلطات العراقية.

كيف؟

إنّ الخروج الأمريكي من العراق قد جاء بمحصلة عدة عوامل داخلية وخارجية. فحقيقة أنّ الولايات المتحدة تُدحر دولياً وتعاني من هزائم شتّى خلال السنين السابقة، ورغم وجود قوى دولية في مواجهتها تؤدي إلى تسارع هذا الأمر، إلا أنه لولا الرفض الشعبي العراقي للوجود الأمريكي في بلاده ومقاومته المديدة والطويلة له قبل أيّ تغيّر في الموازين الدولية أساساً، لما جرت هذه الانتصارات الآن... إنّ انسحاب القوات الأمريكية، قبل أن يكون بسبب تلك التغيرات الدولية، فهو أولاً ناتجٌ عن الرفض الداخلي والتاريخي له ولتدخلاته واحتلاله، وتتويجٌ له.

مهرجان أمريكي قيمته صفر

بعد كل انسحاب، تجري القوات الأمريكية إعادة انتشار وتمركز لها، والتي تعني عملياً تقليص المناطق المتواجدة بها فضلاً عمّا تسلمه نحو الخروج الكامل... بالتزامن مع هذه الإجراءات، قامت واشنطن بمهرجان إعلامي حول نشرها منظومات دفاع جوي في قواعدها في العراق، المهرجان المستند على نصب «بطاريتي» باتريوت فقط في قاعدتين مختلفتين. ثم بدأت الحديث عن احتمالية هجوم إيراني عليها، وهو ما أنكرته طهران عبر وزارتي الخارجية والدفاع، ومؤكدةً أنّ العمليات التي تستهدف القوات الأمريكية هي من عمل «المقاومة العراقية».

المشكلة الحكومية

أما على المستوى الحكومي، فلم يُثمر تكليف رئيس الجمهورية برهم صالح لعدنان الزرفي بتشكيل الحكومة الانتقالية عن أي جديد، حيث استمرت الخلافات بين القوى السياسية العراقية دون الوصول إلى التوافق المطلوب بالحدّ الأدنى، وبعد كل الوعيد من الزرفي، قدّم اعتذاره عن المهمة، ليفشل تشكيل الحكومة العراقية للمرة الرابعة على التوالي خلال الـ5 أشهر السابقة.
في المقابل، قام الرئيس برهم صالح بتكليف رئيس الاستخبارات العراقي مصطفى الكاظمي لتشكيل الحكومة، وهو المعروف بعلاقات واسعة على المستوى الإقليمي والدولي.
إنّ الاستعصاء الجاري بتشكيل الحكومة العراقية ودورانها في هذه الحلقة المفرغة من التكليف والاعتذار أو الاستقالة، لا يتعلق فقط بالخلافات السياسية بين القوى المنضوية ضمنها، بل الاستعصاء نابع من هذه القوى نفسها ومن علاقتها فيما بينها ومع الشعب العراقي... فمصلحة الشعب العراقي ومطالبه قد أعلنها خلال الأشهر السابقة من حراكه، وهي تغيير النظام السياسي في البلاد بشكل حقيقي، وتحديداً بـ«إنهاء منظومة التحاصص الطائفي».
المشكلة تشمل القوى السياسية التي قد يكون في «نيتها» تلبية مطالب الشعب العراقي وإعلاء المصالح الوطنية- إن وجدت هكذا قوى- فلهذه القوى ارتباطها العضوي والعملي داخل هذه المنظومة والذي شكل عائقاً أمام إنجاز المطلوب، وهنا تكمن المشكلة بالضبط: فتغييرٌ كهذا يعني خسارة كل القوى لكل حصصها ومكتسباتها السياسية الخاصة، وما تحققه من ريع بتواجدها في هذه المنظومة، وهذا يتطلب شجاعة سياسية لا تبدو موجودةً حتى الآن.
على أيّة حال، فإن خروج القوات الأمريكية من البلاد، وهي المؤسس لهذه المنظومة أساساً، سيؤدي إلى تسهيل وتسريع عملية التغيير التي يطالب بها العراقيون، فهذا الأمر سيؤدي إلى تغيير في موازين القوى السياسية في الداخل العراقي، وفي داخل كل قوة منها، وبالتالي إلى علاقتها فيما بينها أيضاً، حيث ستظهر اصطفافات وتحالفات جديدة وأكثر وضوحاً: بين من سيتجمّد في عقلية الفضاء السياسي القديم في البلاد، ومن سيتكيف مع الجديد ومخرجاته اللاحقة رغم كل ما سوف يخسره من «حصص» ومكتسبات، بالإضافة إلى القوى الجديدة كلياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
961
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:55