مغامرات المنظومة المأزومة وساندرز النافع
بدأت المرحلة التمهيدية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية الـ 59، والتي من المفترض أن تصل إلى مرحلتها النهائية في يوم الثلاثاء 3 تشرين الثاني من العام الجاري، وإذا ما أردنا الابتعاد عن التفاصيل المعقدة لهذه العملية يمكننا القول إن الصراع في المرحلة التمهيدية يهدف لاختيار مرشح واحد للحزب الجمهوري وآخر للحزب الديموقراطي.
بما أن الرئيس الحالي دونالد ترامب سيكون مرشحاً للحزب الجمهوري، يجري الصراع إذاً على مرشح الحزب الديموقراطي، وضمّت قائمة ترشيحات الحزب 29 اسماً، لتبدأ بالتناقص حتى وصلت اليوم إلى 12 مرشحاً، أبرزهم بيرني ساندرز، وجون بايدن، وبيت بوتيجيج، وإليزابيث وارن، إلا أن تركيز الإعلام ينصب حالياً على ساندرز وبايدن بشكلٍ أساس. على الرغم من أنه من غير الممكن اليوم الجزم بنتيجة هذا «السباق»، فالطريق لا يزال طويلاً، لكن ساندرز ومنذ فوزه في ولاية نيفادا ونيوهامبشير تصدر باقي المرشحين ليحصل بذلك على 56 تفويضاً، بمقابل جون بايدن والذي حصل بعد فوزه في ولاية كارولاينا الجنوبية على 48 تفويضاً، ويحتاج المرشح إلى 1991 تفويضاً، ليحصل على ورقة الترشيح النهائي من الحزب الديموقراطي، ليقف أمام دونالد ترامب في المرحلة الأخيرة من هذه الانتخابات.
ما يحتاجه ساندرز
يجري الحديث عن مبالغ كبيرة دفعت وتدفع في الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة، فحسب وسائل الإعلام تخطَّت تكاليف الحملة الإعلانية للانتخابات التمهيدية عتبة المليار دولار، ووصلت حصة الملياردير مايكل بلومبرغ من هذا الإنفاق إلى نصف هذا المبلغ، أما ساندرز فلم ينفق إلا القليل مقارنةً بما أنفقه بلومبرغ «ما يقارب 48 مليون دولار»، وهنا تظهر الملامح الأولى لطبيعة بيرني ساندرز، فيجري الحديث عنه على أنه مرشّح «اشتراكي»، ويرفض ساندرز إنفاق الأموال في الحملات الانتخابية، وينتقد من يفعلون ذلك أمام الناس وعلى الملأ، وعلى الرغم من ضرورة ألا تحدد الأموال من يفوز في الانتخابات، يجب أن نسأل أنفسنا إن كان ساندرز يستهدف الشريحة الأفقر من الناخبين، أليست هذه هي الطريقة الأمثل لتحقيق هذا؟ أن يصبح عدم إنفاق الأموال العماد الأساس لهذه الحملة سيجعلها براقة بعيون العمال والفقراء، ومن هذه النقطة يمكننا إطلاق آلاف الأسئلة حول ساندرز، وما الذي يسعى إليه، وما الذي تحتاجه المنظومة الأمريكية المأزومة اليوم؟
طبيعة الخطاب وإلى من يوجه
يركز ساندرز في وعوده على مطالب اقتصادية واجتماعية، لم نسمعها سابقاً بهذه الكثافة، فهو يتحدث عن إصلاح ضريبي واسع يشمل إعفاءات ضريبية لذوي الدخل المحدود، ويحتج على واقع الولايات المتحدة الصحي، ويطلق الوعود بنظام ضمان صحي شامل وعادل يمنع شركات الأدوية من تحقيق أرباحٍ هائلة من جيوب الأمريكيين الفقراء. وتطول قائمة الوعود هذه، فلم ينسَ ساندرز مشكلة السكن والدين والتعليم الخاص المكلف الذي يرهق الشباب. ويندد بالعنصرية والعنصريين ويقف وسط لوحة متعددة الأعراق من قبل مناصريه «رافضاً للظلم»، ولتكتمل صورته «البراقة» يذكر بالكارثة المناخية التي تهدد الكوكب وضرورة التحول للطاقة النظيفة، ويعلن رفضه للتمييز ضد المرأة وبعزمه تشريع «الحشيش» وضمان الحرية الجنسية، وغيرها من العناوين التي يتلوها تصفيق حادٌ من مناصريه وصرخات تأييد تتوق للتغيير.
يصرّ بيرني ساندرز على أن ما يقوم به ليس «حملة انتخابية» وإنما «حركة» ويدعو أنصار هذه «الحركة» إلى العمل الجاد وطرق أبواب العمال وأصحاب الدخل المحدود لدفعهم إلى العمل من أجل «التغيير وعدم الاكتفاء بالتذمر».
ويُعد الموقف من الكيان الصهيوني أحد أبرز آرائه في السياسة الخارجية، فهو يتهم بنيامين نتنياهو بالعنصرية، ويرفض بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ويهدد «إسرائيل» بتخفيض المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة. ويرى البعض في هذه التصريحات، دليلاً أن ساندرز، يهودي الديانة، سيكون قاسياً بالتعامل مع الكيان الصهيوني، متجاهلين أنّ حديثه هذا يُعد عودةً إلى الأحاديث التي اعتدنا سماعها قبل فترة ترامب الرئاسية ولم تكن بشكلٍ من الأشكال دعماً للقضية الفلسطينية، بل في أحسن الأحوال شكلاً من أشكال صرف الانتباه عن الدعم الحقيقي الكبير الذي يتلقاه الكيان.
التغيير في الولايات المتحدة بات ضرورة حقاً، ويمكن بسهولة أن نعرف الجمهور الذي يستهدفه ساندرز في حملته وحديثه، فيبدو أنَّ المنظومة تحاول أن تستبق الأحداث. فساندرز يحاول رفع مطالب الناس، ولكنَّ الفرق أنه لا يملك «برنامجاً اشتراكياً» كما يدَّعي، فهو يعبّر اليوم عن الحاجة الملحة للمنظومة المأزومة التي توشك على الانفجار، فهو يحاول جمع المسحوقين والفقراء قبل أن ينتفضوا حقاً، وهنا ستكون المنظومة مستعدة لتقديم بعض التنازلات التي ستظهر بوصفها مكاسب لـ «برنامج التغيير»، وعند هذه النقطة ربما يصبح ساندرز أكثر نفعاً من ترامب للمرحلة القادمة. فيبدو أنَّ الواقع الاقتصادي الظالم الذي يعيشه الشعب الأمريكي يهدد المنظومة الرأسمالية القائمة، فلا بد من مناورة جديدة، ربما يكون ساندرز عنواناً لها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 955