المسار التصادمي لمحادثات «بريكست»
جمانة عيسى جمانة عيسى

المسار التصادمي لمحادثات «بريكست»

قدم الاتحاد الأوروبي والحكومة البريطانية خلال الأسبوع الماضي وثائق تحدد أهدافهما للمحادثات القادمة حول علاقتهما المستقبلية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد. وتتناقض الوثائق مع بعضها البعض بشكل حادّ وملفت، لدرجة أنَّ التوصل إلى اتفاق يبدو بمرور الوقت مستحيلاً تماماً.

هدد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بقطع المحادثات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية حزيران المقبل. وقال إن لندن ستركز استعداداتها بعد ذلك على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق عندما تنتهي الفترة الانتقالية في نهاية عام 2020. ومن جانبه، قال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، إنه يتوقع «محادثات صعبة للغاية».
واتفق الوزراء الـ27 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على خطوطٍ حمراء للمحادثات المقبلة. وهم يعرضون على بريطانيا اتفاقية تجارة حرة دون رسوم جمركية أو قيود كمية على حركة البضائع، ولكنهم يرهنون ذلك بالتزام لندن بأغلبية قواعد ولوائح الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة لجونسون وحكومته، فإن هذه الشروط غير مقبولة. فبالأصل، كان أحد أهدافهم في حملتهم لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو التحرر من قواعد ولوائح الاتحاد الأوروبي، من أجل المضي قدماً في رفع القيود التنظيمية عن الاقتصاد.
وتعارض الحكومة البريطانية بشكل قاطع تمديد الفترة الانتقالية التي تستمر 11 شهراً، والتي لا يتغير خلالها أي شيء في العلاقة بين لندن والاتحاد الأوروبي، رغم أن الخبراء يقولون إنه سيكون من المستحيل تقريباً التوصل إلى اتفاق خلال هذا الإطار الزمني.
في المقابل، يعتقد معارضو خروج بريطانيا من الاتحاد أوروبي أن جونسون وحكومته عازمون بالفعل على الخروج دون اتفاق، وعلى هذا الأساس، يحذرون من أن مثل هذا الخروج من شأنه أن يضعف القدرات الاقتصادية والسياسية للمملكة المتحدة لا على الصعيد المحلي فحسب، بل وكذلك على مستوى القارة الأوروبية، إذ إن الخروج دون اتفاق يعني فعلياً ترك قطاعات واسعة من الاقتصاد والشركات البريطانية عرضة للتخبط في ظل غياب القوانين التنظيمية التي تحدد الإطار القانوني لعلاقة هذه الشركات مع نظيراتها في أوروبا، ذلك عدا عن المخاوف السياسية التي يمكن أن تنفجر داخل المملكة المتحدة نفسها.
إن العواقب الاقتصادية للخروج دون اتفاق ستكون مروعة لكلا الجانبين. حيث لن تنظم العلاقات التجارية بعد ذلك إلا بموجب شروط منظمة التجارة العالمية، مع فرض تعريفات جمركية مرتفعة في المقابل. وسوف تنهار التجارة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، التي بلغت في عام 2017، 423 مليار جنيه إسترليني.
وعلى الرغم من أن الخبراء الاقتصاديين ونخب الصناعة يحذرون من عواقب الفشل في التوصل إلى اتفاق، إلا أن لندن وبروكسل لا تزالان تسيران في مسار تصادمي من المحادثات. والملفت في هذا التفصيل بالذات أنَّ عدداً متزايداً من المتابعين باتوا يربطون موضوع الفشل الذي يصيب المحادثات لا بالقناعات السياسية للنخب الحاكمة، بل بوصول منظومة العلاقات الاقتصادية الرأسمالية إلى مرحلة متقدمة من الإفلاس.

معلومات إضافية

العدد رقم:
955