قمة ماليزيا... على السعودية أن تقلق فعلاً

قمة ماليزيا... على السعودية أن تقلق فعلاً

استضافت العاصمة الماليزية قمّة إسلامية مصغرة في كوالالمبور، بحضور على مستوى الرؤساء لكل من تركيا وإيران وماليزيا وقطر، بالإضافة إلى 450 ممثلاً لأكثر من 56 دولة إسلامية، ولعب الموقف السعودي من قمة كوالالمبور دوراً سلبياً فدفع كلاً من باكستان وأندونيسيا إلى تخفيض تمثيلهم، فما هو سرّ الموقف السعودي الشرس وما الذي يعنيه عقد هذه القمة حقاً؟

ما الذي تطرحه القمة؟

قبل أن ندخل في تفاصيل هذا الملف، لا بدَّ لنا من ذكر بعض المعلومات المفيدة، فالقمة التي عقدت في كوالالمبور هي القمة الخامسة، وتعد بشكل من الأشكال استكمالاً لأربع قممٍ سبقتها، كانت أولاها في 2014، إلّا أنَّ القمة الأخيرة تتمايز نوعياً عن سابقاتها، فهي تحمل رسائل سياسية أكثر وضوحاً حتى قبل أن نغوص في مجرياتها ومخرجاتها، فالقمة تحاول إيجاد الصيغ السياسية الملموسة والملائمة لحل المشاكل التي تواجه المجتمع الإسلامي اليوم، لذلك جاءت تحت عنوان عريض «دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية»، وجاءت في جدول أعمالها العديد من القضايا، منها ما يخص الأمن والسلام وقضايا الدفاع، بالإضافة إلى التجارة والاستثمار إلى جانب التكنولوجيا وإدارة الإنترنت. ولكن قمة كوالالمبور تحمل بالمعنى السياسي ما هو أوسع من هذا، وهو فتح نقاش جديّ وعلى أعلى المستويات حول تقاطع المصالح بين الدول الإسلامية، والأهم أنها محاولة لانتزاع المبادرة لحل المشاكل التي باتت تشكل عائقاً جدياً أمام تطور هذه البلدان.

الموقف السعودي ودوافعه

يثير هذا التجمع الريبة بالنسبة للسعودية، والتي تعتبر أن الإطار السياسي الحصري الذي يجب أن تتحرك ضمنه الدول الإسلامية هو منظمة التعاون الإسلامي، وعبّر الملك سلمان بن عبد العزيز بوضوح عن هذا الموقف، إذ أكَّد في مكالمة هاتفية بينه وبين رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، على «أهمية العمل الإسلامي المشترك من خلال منظمة التعاون الإسلامي بما يحقق وحدة الصف لبحث كافة القضايا الإسلامية التي تهمُّ الأمة»، وعلى الرغم من أن المجتمعين حاولوا التأكيد على أنَّ قمتهم هذه ليست بديلاً عن منظمة التعاون الإسلامي، إلّا أنَّ عقد هذه القمة خارج عباءة السعودية هو تحدٍّ حقيقي، ويعني أنَّ السعودية ليست قادرة على قيادة الدول الإسلامية ولا تملك حلولاً لما تواجه هذه الدول، لا بل إنها تلعب دوراً يزيد من تعقيد الأمور ويزيد من تبعية المجتمع الإسلامي ككل، ويتضح أن ملامح البرنامج المشترك الذي قد تتفق عليه الدول التي اجتمعت في ماليزيا في المستقبل القريب لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال أن تكون السعودية بتركيبتها السياسية الحالية جزءاً منه. ويمكن له أن يتحول إلى «البرنامج البديل» والمعبّر عن مصالح الدول الإسلامية وشعوبها.

من الدولار إلى الدينار الذهبي

يرى رئيس الوزراء الماليزي أن العقوبات الأمريكية الأحادية تشكل مصدراً للقلق وعدم الاستقرار، واعتبر أنه يجب على الجميع إدراك أن هذا النمط من الضغوط والعقوبات يمكن أن يشمل أي بلد، وليس مفصلاً على مقاس إيران وحدها، وقال في حديث له إن «على ماليزيا ودول أخرى أن تتذكر أن مثل تلك الإجراءات قد تفرض علينا أيضاً. وهذا يدعونا إلى تحقيق الاعتماد على الذات»، وجاء هذا الموقف مكمِّلاً للموقف الإيراني والتركي من العقوبات الأمريكية، فأطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوةً أثناء القمة للتبادل التجاري بالعملات المحلية على حساب الدولار واعتبر أنه بات «ضرورة ملحّة» وأكَّد استعداد بلاده للتعاون مع العالم الإسلامي في هذا الخصوص، ومن جانبه أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني أنَّ العقوبات الاقتصادية تحولت إلى « أداة للهيمنة الاستكبارية»، مضيفاً أنَّ تشابك الأنظمة الاقتصادية والمالية والتجارية العالمية مع الدولار والنظام الاقتصادي الأمريكي يعطي الولايات المتحدة موقعاً يسمح لها بالهيمنة، لذلك شدَّد روحاني على أن على العالم الإسلامي اتخاذ تدابير للتحرر من هيمنة الدولار والنظام المالي الأمريكي.
تقارب مواقف الدول الثلاث من هذه القضية ظهر بشكل واضح في يوم السبت 21 وهو آخر أيام قمة كوالالمبور، إذ أعلن مهاتير محمد أن بلاده تبحث مع إيران وتركيا وقطر إمكانية تنفيذ المعاملات التجارية فيما بينها باستخدام الدينار الذهبي ونظام المقايضة، وأضاف إن هذا الإجراء يعتبر أحد أدوات الحماية من خطرِ العقوبات المحدق، وأعلن عن أمله في الوصول إلى آلية واضحة لتطبيق هذا النظام.

في الختام

استطاعت السعودية فعلاً نشر مناخٍ سلبي ضاغط على الراغبين في حضور هذه القمة، وهي محقةٌ في استشعارها للخطر، فما يجري سيقوض- إذا ما كتب له النجاح، دور منظمة التعاون الإسلامي وسلطة السعودية عليها، والتي كانت الإطار السياسي الوحيد الذي تتحرك ضمنه الدول الإسلامية. وإذا كانت منظمة التعاون بوضعها اليوم، أحد أشكال التعبير عن توازنات للقوى في عالمٍ أحادي القطب فهذا العالم قد تغير، وباتت الخيارات أكثر اتساعاً. والسؤال الأهم الذي يجب أن يطرح، ما هي جملة المشاكل التي تعاني منها الدول الإسلامية، وما هو سبيل الخروج منها؟ وهل يمكن أن تكون قمة ماليزيا حجر أساس لمرحلة لاحقة؟
تشكل كل من إندونيسيا، وباكستان، وتركيا، وإيران وماليزيا أضخم كثافة سكانية للمسلمين من غير العرب، وتصل مجتمعة إلى 600 مليون نسمة، وهي دول تشترك بكونها لا تعتمد على مواردها الطبيعية بقدر ما تعتمد على إنتاجها ومواردها البشرية، وتملك باكستان مثلاً سلاحاً نووياً، كل هذا وغيره من العناصر يجعل من هذه الدول وزناً فارقاً على الساحة الدولية، وحتى لو استطاعت السعودية الضغط اليوم على العديد من الدول الاسلامية لعدم الحضور، إلّا أنها وفي المستقبل القريب لن تملك ما تعطيه في المقابل، وهذا من شأنه أن يسرِّعَ عملية التحول التي تبدو بطيئة اليوم، فالهيمنة والعقوبات الأمريكية تشكل عائقاً أمام التقدم، ليس في الدول الإسلامية فحسب، بل في العالم أجمع، وهذا ما يخلق مناخاً رافضاً لها، وإذا كانت الدول الإسلامية قد عانت من التبعية والاستغلال، فما الذي يمنعنها من حجز مقعدٍ ملائم لمستقبلها وطموحاتها في عالمٍ جديد يتشكل بتسارع؟
قد لا تحمل قمة كولالمبور حلاً سحرياً للمشاكل المتراكمة إلّا أنها مؤشر جدي على تحول يجري، ستستمر مؤشراته في الظهور في أماكن متعددة حتى يصبح ناضجاً ويطرح برنامجه المتسق، والذي سيتكامل حتماً مع البرامج البديلة الأخرى، ولن يكون وقتها سهلً إعاقة تقدمه كما تفعل السعودية اليوم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
945
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 16:22