مباراة «بريكست» متعادلة حتى الآن
باتت «مسألة بريكست» كرة يُرمى بها في الداخل البريطاني مُتاجرةً لصالح هذا الطرف أو ذاك، مُحركين خلفها الشعب بكامله بين موافقين ورافضين لها، بمباراة أصبح عمرها سنتين دون فارقٍ في النقاط يغلب وزن أيّ طرف فيها.
تسير أزمة الحكم وحالة الانقسام في الحكومة البريطانية على قدمٍ وساق، فبعد أن أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون، قراره بتعليق عمل البرلمان البريطاني قبل أسبوعين، ولمدة خمسة أسابيع قابلة للتمديد، بحجة أنّ البرلمان يعيق خطته في الحصول على اتفاقٍ بأفضل الشروط، ويؤخر عملية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المزمع حدوثه في 31 من شهر تشرين الأول، أعلنت المحكمة البريطانية العليا خلال الأسبوع الماضي أن قرار جونسون هذا يعدّ مخالفةً قانونية وبناء عليه فإن الهيئة التشريعية باقية ولم يتم تعليق عملها.
سقوط تمثيلية الديمقراطية
شكّل هذا الأمر ضربةً سياسية على جونسون لصالح الأطراف الأخرى المعارضة لبريكست، وبدأ تقاذف اتهامات متعددة حول مسائل قانونية ومخالفات دستورية وغيرها كمهاترات إعلامية، فضلاً عن فتح قضية التصويت الشعبي على قرار الانسحاب والذي جرى في عام 2016 بنتيجة 52% لصالح الخروج، مما جعل من هذه المشكلة تطفو على السطح الآن وتتفاعل، سواء على المستوى الشعبي في الشارع أم سياسياً بين مختلف القوى وداخل الحكومة نفسها، بأن إعاقته أيضاً هي مخالفة قانونية، تسببت بتوالي الاتهامات على جونسون بأنه- وعلى إثر هذه السلوكيات- يدفع بالبلاد نحو الفوضى ويدعو للقيام بأعمال شغب شعبية وما إلى هنالك.
ربطاً بالتراجع الأمريكي
إنّ مسألة بريكست بنفسها لا يمكن فهمها دون العودة إلى تطورات التوازن الدولي نفسه، والتي جاءت نتيجةً له أساساً، حيث ترابط وتشابك العلاقات الأمريكية-البريطانية سياسياً واقتصادياً أكبر من غيرها في دول الاتحاد الأوروبي باعتبار بريطانيا ثاني أكبر مركزٍ مالي بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الغرب، فكان لميل التراجع الأمريكي ثُلثا الخاطر بدفع لندن نحو الخروج من الاتحاد، والأمر الأكثر أهمية بذلك، هو فك ارتباطها باليورو لصالح الدولار، مما فتح الباب أمام الأزمة البريطانية لتختلف الحكومة فيما بينها حول إستراتيجية البلاد في ظل هذه المتغيرات الدولية ومستقبلها، ويمكن وضع التصريح السابق لمحافظ بنك انكلترا المركزي «يجب البدء بالتخلص من اعتماد الدولار وإيجاد بديل احتياطي جديد» بصفّ القوى التي تعارض نهج جونسون ومصلحة واشنطن في المملكة.
انسحاب بريطانيا وغيرها اتجاهٌ موضوعي
آخر ما حُرر حول هذه الأزمة هو تحديد موعد الخروج في 31 تشرين الأول، والذي يدّعي جونسون أن انسحاب بريطانيا سوف يجري فيه بشكلٍ أكيد سواء باتفاق أو بدونه. لكن بأية حال لا يمكن التعويل على تصريحات أيّ أحد، حيث إن ما سوف يجري في نهاية الأمر يُحدده وزن كل طرف، والذين كانوا على مدى سنتين من الزمن وحتى الآن مُتساوين فيما بينهم، كما هي نتيجة الاستفتاء نفسه أكان متلاعباً بها أم لا... من المهم الإشارة إلى أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد، بل وأكثر من ذلك، تفكك الاتحاد برمّته، هو اتجاهٌ موضوعي كنتيجةٍ لكل المتغيرات الدولية بعلاقاتها وتحالفاتها، وسينعكس إيجاباً على الدول الأوروبية في ظل تصاعد الأزمة الغربية واشتدادها، شرط سيره بتطوره العفوي دون تدخلٍ لقطعه أو حرف مساره، كما يجري بحالة بريطانيا اليوم، فإذا ما تم تمرير الأجندة الأمريكية فيها ستصبح لندن بحالة لا تُحسد عليها مستقبلاً وتتهدد وحدتها نفسها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 933