الطرق البحرية وفشل الاستراتيجيات الغربية

الطرق البحرية وفشل الاستراتيجيات الغربية

تُبين تطورات «حرب الناقلات» أن مضيق هرمز هو نُقطة من عدة نُقاط تجارية عموماً وبحرية خاصةً تجري محاولات توتيرها، أيّ أن الحوادث التي ابتدأت من الخليج العربي ومضيق هرمز بذريعة التوتر الأمريكي-الإيراني لا يتعلق فقط بالشأن الإيراني، بل ما هو إلا أحد جوانب القضية، ويُسقط مباشرة الادّعاءات حول «حُرية الملاحة» التي تغنّى بها البريطانيون والأمريكيون حينما كان الأمر محصوراً في مضيق هرمز، ليتضح مع توسّع رقعة هذه الحرب وتعدد نقاطها، أنّ هدفها هو مُجمل النشاط التجاري العالمي الذي بات يأخد من الشرق بوصلة ووجهة له.

تعدد النقاط

تعددت نُقاط التوتر ليُضاف إلى مضيق هرمز، ومضيق جبل طارق، كلاً من البحر الأسود ومضيق تايوان بالإضافة إلى البرازيل بعلاقتها مع الإيرانيين... حيث احتجزت الحكومة الأوكرانية يوم الخميس في الـ25 من الشهر الجاري ناقلة نفط روسية في أحد مرافئها في البحر الأسود بذريعة الاشتباه بارتباط الناقلة بحادث بحري وقع بين البلدين قبالة سواحل القرم أواخر العام الماضي، وأعلن الجيش الأمريكي قبل ذلك بيوم أنه أرسل سفينة حربية تابعة للبحرية عبر مضيق تايوان الذي يفصل تايوان عن الصين في خطوة استفزازية واضحة لصُنع التوتر هناك خاصة في هذه الفترة، أما في البرازيل فقد زوّدت شركة «بتروباس» البرازيلية الناقلتين الإيرانيتين بالوقود أخيراً بعد شهرين من توقفهما على رصيف أحد الموانئ البرازيلية بسبب رفض شركات الوقود هناك بتزويد السُفن الإيرانية بالديزل بذريعة امتثالهم للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.

قوة عطالة لا أكثر

إن تعدد نُقاط التوتر هذه وتزايد حدّتها، يأتي بلا ريب بخطوة أمريكية أولاً بغاية محاولة تأخير وعرقلة المشاريع التجارية العالمية الجديدة القادمة من الشرق، وبنموذجها الجديد المُخالف للمصلحة الغربية، وأولها مشروع طريق الحرير الصيني الذي تم قطع أشواط هامة في تنفيذه، فعلى طول الخط كانت التجارة البحرية بالإضافة لكونها أحد أهم أساسات التجارة العالمية لصالح الغرب، أداة تحكّم وضغط بأيدي بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة، لتكون كُل هذه التوترات اليوم فعّالة مؤقتاً بفعل قوّة العطالة للنفوذ الغربي فيها بسقفٍ لا يتجاوز التوتير، أيّ: لا إمكانية لفرض السيطرة والشروط كما كان سابقاً، عطالة تتناقص قوتها تدريجياً نحو الصفر، يسعى خلالها الغربيون إلى تحصيل ما يمكن تحصيله من استفادات لهم، ويسعى التيار المتشدد منهم لمحاولات إشعال حربٍ في كل منها لضرب الكُل بالكل قُبيل انتهائها.

تجارب قريبة

استناداً إلى التجارب والأمثلة القريبة السابقة في هذه الظروف الجديدة بالمواجهة مع الأمريكيين، كروسيا وإيران بتعزيزهم لاقتصاداتهم داخلياً في ظل الحصار والعقوبات الأمريكية، والذهاب إلى آليات الحوار والتفاوض والحلول السياسية رُغم كُل محاولات التوتير والحرب ضمن سياسة «إخماد الحرائق» في مجمل الملفات الدولية، وغيرها من الأمثلة... فمن المتوقع أن تدفع هذه التوترات في التجارة البحرية عالمياً بالصين والروس إلى تسريع وزيادة العمل بالخطوط البرية والجوية، وكما يقال «سحب بساط من تحت الأمريكيون» خاصةً وأن تكاليف النقل الجوي والبري قد حققت انخفاضاً كبيراً بحسب الدراسات الحديثة. بين كل من البلدان ذوات الاقتصادات الكُبرى دولياً «الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وإيران» بالإضافة إلى تركيا مع تطور مجريات تحوّلها المُعقد بعلاقاتها الاقتصادية والسياسية نحو الشرق.

تكتيك ورهانات خاسرة

في المُحصلة فإن ما يجري ترويجه إعلامياً بصيغة توحي بأن الغرب لا يزال مُسيطراً ويعلم ما يفعل بظل كُل الهزائم المتراكمة عليه لا يعكس حتى جزءاً من حقيقة ما يجري، حيث يمكن اختصار القول بأن أفضل ما يستطيع الأمريكيون والاوروبيون فعله اليوم بخصوص الوضع الدولي ومكانهم فيه هو «خطوات تكتيكية» يراهنون على مخرجاتها، والتي تخسر واحدة بعد أخرى، ويبقى الاتجاه العام زيادة قوة القوى الصاعدة وخصوصاً الصينيين والروس بفعل موازين القوى الجديدة التي باتت واقعاً لا رجعة عنه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
924
آخر تعديل على الأربعاء, 31 تموز/يوليو 2019 14:19