مجموعة العشرين التناقض بين الدور الوظيفي والعقوبات الأمريكية
نشأت مجوعة العشرين بداية في السنوات التي تلت أزمة النمور الآسيوية كمجموعة عمل تقني، ضمت رؤساء البنوك المركزية لأكبر عشرين اقتصاد، إضافة إلى وزراء مالية تلك الدول، وكان الهدف منها أو الدور المطلوب أمريكياً بالدرجة الأولى: تنظيم الضخ الدولاري حول العالم، وسعر الفائدة دولياً لمنع تكرار حوادث الكساد والاستدانة التي حدثت لتجربة النمور الآسيوية، حيث دخلت هذه الدول في مصيدة ديون أنهت عقداً من النمو،
ومع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 ودخول الاقتصاد العالمي في الركود، ومع إفلاس مجموعة من البنوك والشركات الكبرى، أصبح من الضروري إعطاء الدعم السياسي لمجموعة العشرين، فتحولت إضافة لعملها التقني إلى اجتماع على مستوى الرؤساء والقادة في محاولة لوضع حل للأزمة الاقتصادية، وكانت النتائج لقمة 2008 هي التيسير الكمي، وهو سياسة نقدية تهدف إلى تخفيض سعر الفائدة على العملات الرئيسة، وضخ قروض بفوائد منخفضة أو سلبية لمواجهة الركود في الولايات المتحدة الأمريكية، زادت الكتلة النقدية بين العام 2000 حتى العام 2009 بحوالي 8 ترليونات دولار لتصبح حوالي 15 تيلريوناً في أوروبا بأكثر من 13 تيلريون دولار. المصدر components of US monetary supply.
G20 العزلة الأمريكية في أوساكا
ما يحدث اليوم على المستوى الدولي هو انسحاب أمريكي من كل ما يتعلق بالتزاماتها الدولية، الميزة الأمريكية البراغماتية بأنها عندما تصل لحائط سد تستدير بسرعة أكبر تاركة الآخرين من حلفائها الذين صاغوا معاً (أو وافقوا صاغرين) السياسات النقدية والتبادل اللامتكافئ، خاصةً في أوروبا، يصطدمون بالحائط وحدهم، لذا تجد أمريكا اليوم نفسها في أغلب القضايا معزولة، خاصة اليوم في اجتماع أوساكا حيث أن رفع سعر الفائدة، وتقليص إمدادات الدَّين العالمي، والعقوبات على روسيا والصين وتركيا وإيران تعني محاولة تقليص دور الدولة في هذه الدول، إذ أن أمريكا قررت وقف النزيف (الدولاري) مع كل ما يحكم هذه العملية من أخطار، لأنّها تبقى أقل بكثير من خطر الانفجار الداخلي، حيث إن الاستمرار بعملية التيسير الكمي ستؤدي بشكل طبيعي لانهيار الدولار القوي، ولأن الدولار الضعيف لا يمكن أن يسمح للدولار بأن يكون عملة تبادل دولي فإن أمريكا تتراجع عن كل التزاماتها لتنكفئ داخلياً، وللعلم فإن الفيدرالي الأمريكي أبقى على سعر الفائدة مرتفعاً بعكس الأوروبي الذي أعلن عن حزمة جديدة من التيسير الكمي، في تناقض كبير بالرؤية بين الكتلتين الامبرياليتين الأكبر في العالم، ويبدو أن الأمريكيين سيوقفون النزيف لمعالجة الاضرار، أما الأوروبيون فسيستمرون في الضخ معوِّلين على علاقات أفضل مع الصين ورسيا.
الصين وروسيا في G20
الحقيقة، ليس للدول خارج الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تلك الأدوار الكبيرة في مجموعة العشرين فهي تنسق تقبلها للديون بحكم أنها لا تملك عملة احتياط دولي، فالكلمة الأكبر فيها لتلك الدول التي فرضت عملتها، أي الدولار كعملة للاحتياط والتبادل الدولي في العام 2008 كما في العام 1971 حين أجبر العالم أن يكون الدولار عملة بلا تغطية ذهبية، وطبع بعدها الأمريكيون بقوة الترهيب والسلاح عملتهم وقبلها العالم، ولكن انقلب السحر على الساحر، فالعزلة الأمريكية اليوم والتناقضات الموجودة داخل النظام الأمريكي وحالة الصراع والهرج والمرج الأمريكية، إضافة إلى العقوبات على الأصدقاء والخصوم، تجعل العالم أمام تحدٍّ كبير لتحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي، لمنع حدوث انفجارات كبرى في العالم، كل هذا جعل الكثير من الدول تبحث عن بديل للدولار، وللعلم أيضاً أمريكا نفسها باتت تبحث عن بديل للدولار من خلال العملات المشفرة أو العملات الدولية.
ملتقى القادة لحل بعض القضايا
تتجه الأنظار إلى قمة العشرين لمجموعة اللقاءات الممكنة بين الرؤساء، وخاصة لقاء ترامب - بوتين ، حيث قال الناطق باسم الرئاسة الروسية: إنه لن يكون موسعاً، وصرح الرئيس الروسي أنه مستعد لتطوير العلاقات الأمريكية الروسية في حال نضج الطرف الأمريكي، حيث إن أمريكا تحلم من خلال موازيين القوى العالمية التي تعيها هي أيضاً، أنها من الممكن أن تحصل على تنازلات أكبر من الروس قبل تبلور بنية النظام العالمي الجديد الذي سيتكوَّن في فترات قريبة، وسيحدد ملامح العالم للخمسين سنة القادمة، لن تكون فيها أمريكا إلّا قوة دولية مثلها مثل غيرها، لكنها في الوقت الحالي وبما أنها ما زالت تمتلك مجموعة من الأوراق، فهي تحاول اللعب فيها قبل احتراقها ضمن عاملي الزمن والوضع الدولي المتغير، أما مع الصين فقد قرر نائب الرئيس الأمريكي تأجيل خطاب حول العلاقات مع الصين لوقت لاحق في انتظار لقاء الرئيسين الأمريكي والصيني، لا توحي المؤشرات بكثير من التقدم على مستوى المفاوضات التجارية، حيث لا تبدي الصين استعجالاً أمام ثور عجوز يقف على هاوية لا مفرَّ من وقوعه بها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 919