«تصفير» النفط الإيراني: طريق المواجهة سالكة..!
اصطدمت محاولة واشنطن بـ«تصفير» النفط الإيراني، أي: خفض مبيعاته للصفر، من خلال إعادة فرض عقوبات على المستوردين، بتمرد دولي وإقليمي واسع. الأمر الذي شجع طهران على إعلان تحديها للعقوبات من خلال إيجاد أقنية بيع موازية ورفع صادراتها النفطية «غير الشرعية».
مع إعلان الإدارة الأمريكية مؤخراً إلغاء الإعفاء من العقوبات التي كانت مفروضة على المستوردين الأساسيين للنفط الإيراني، وتشمل ثماني دول، هي: تركيا وإيطاليا واليونان والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، توالت ردود الفعل الدولية الرافضة علناً أو ضمناً للخطوة، كونها تؤدي إلى زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية. وتزامنت الخطوة الأمريكية مع تصعيد موازٍ ضد فنزويلا، ومع توتير الصراع في ليبيا، الأمر الذي تهدف من خلاله الولايات المتحدة إلى الاستفادة من رفع أسعار النفط عالمياً لجني عائدات أكبر من الصادرات النفطية الأمريكية المتزايدة. وإجبار أعضاء أساسيين في أوبك وفي مقدمتهم السعودية على حل شراكاتهم مع منتجين نفطيين كبار كروسيا، وذلك من خلال إلزامهم برفع إنتاج النفط لتعويض النفط الإيراني، وما قد يعنيه ذلك من توريطهم بحلقة صراعات جديدة في المنطقة لا يستبعد فيها احتمال المواجهات العسكرية المفتوحة.
الرافضون
أبرز الرافضين للقرار الأمريكي: الصين وتركيا، حيث عبّرت الصين عن معارضتها له وتمسّكها بالتعاون مع إيران، الذي «يتّسق مع القانون». فيما شنّ وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، هجوماً لاذعاً على القرار الذي عدّه «تجاوزاً للحدود»، وشدّد على أن بلاده «تعارض مثل هذه الخطوات والإملاءات»، وتعتبرها تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها. فيما التزمت أطرافٌ أخرى الصمت حول القرار كالهند، وبادرت دول أخرى التفاوض مع واشنطن لثنيها عن فرض العقوبات، مثل: كوريا الجنوبية.
التحدي الإيراني
تمحورت ردود الفعل الإيرانية عبر المؤسسات المختلفة حول مواجهة القرار بشتى السبل. فهدد المسؤولون الإيرانيون بداية بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة السفن العالمية، فيما أعلنت قيادة المؤسسة العسكرية الإيرانية دعوتها كافة القوات المسلحة للتأهب للمواجهة. وبعيداً عن الرسائل السياسية المعهودة في الدبلوماسية الإيرانية المناوئة لواشنطن، وخصوصاً في ظروف الحصار، تراهن إيران على إيجاد أقنية موازية لتوزيع نفطها على 15 دولة متاخمة برياً وبحرياً عبر أقنية بديلة تتحفظ طهران على تحديدها، لكنها ترسل لخصومها إعلاناً واضحاً باستمرار بيع النفط في ظل تضامن صيني تركي وعراقي. فقد أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني: أنه «يجب على إيران مواصلة مبيعات النفط لمواجهة العقوبات الأمريكية».
المتورطون
حددت واشنطن مجموعة حلفائها في تصعيدها الأخير ضد طهران على لسان وزير خارجيتها بومبيو، الذي أكّد وجود شركاء، هم: «دول الخليج وإسرائيل ودول أخرى تعمل على هذا الهدف».
وإذا كان منطقياً أن تكون «إسرائيل» بالفعل حليفاً طبيعياً في خطوة كهذه، لا تبدو دول الخليج كذلك. فالسعودية، ومن خلال تصريحات وزير الطاقة خالد الفالح المترددة حول المتطلبات الأمريكية بزيادة الإنتاج، بإمكانية ذلك «إذا اقتضت الحاجة» والحرص على «استمرار توازن الأسواق واستقرارها» بالتنسيق مع الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، كشفت عن رفضها الضمني للخطوة وخشيتها من العواقب المحتملة. فبالرغم من الإغراءات الأمريكية بأخذ موقع إيران كاملاً، تقاسماً مع الإمارات، في السوق النفطية العالمية، إلا أن المكاسب المالية لا تبدو الأولوية لديها، لكونها تعي عجزها في الميزان العسكري مع إيران في حال اندلاع مواجهات ولو بالحد الأدنى. كذلك فإن السعودية تخشى مما وراء الخطوة الأمريكية من تصعيد الأوضاع في إيران وفنزويلا وليبيا، والتي ترمي إلى إفشال الشراكة مع روسيا بصيغة أوبك + (تصنيف عالمي جديد لشراكة منظمة أوبك مع منتجين نفطيين كبار على رأسهم روسيا). كذلك تكشف بعض المعطيات الإعلامية عن محادثات تجريها السعودية مع الولايات المتحدة لإقناع الأخيرة بخفض كمية الإنتاج المُطالبة بها.
أين يذهب النفط الإيراني؟
أشارت تقارير إعلامية غربية، إلى أن إيران صدّرت مليون ونصف برميل يومياً خلال شهر نيسان الماضي، وأن التصدير لا يزال مستمراً، فكيف؟ فيما عدا زبائن إيران التقليديين كالصين وتركيا والهند، والذين يتم تسليمهم الشحنات في مياه الخليج والمحيط الهندي، هنالك أيضاً شحنات نفط إيرانية تتجه إلى موانئ الصين الشمالية ليتم تصديرها مجدداً إلى سنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ. هذه التكهنات أكدها مسؤول من وزارة النفط الإيرانية، فقد صرّح أن بلاده حشدت كل الإمكانات لبيع النفط الإيراني في السوق الموازية، وذلك لمواجهة العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية.
بالرغم من الأثر الضار للعقوبات الأمريكية المذكورة على الاقتصاد الإيراني والدول المستوردة، إلّا أنها تساهم من جانب آخر إلى تشكّل آليات وأقنية جديدة على مستوى العلاقات الدولية، اقتصادياً وسياسياً، الأمر الذي يدفع أكثر فأكثر إلى كسر الهيمنة الأمريكية، وإلحاق الضرر بالحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، وبالنتيجة تبلور عالم متعدد الأقطاب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 912