مصر تعدل دستورها، فما الجديد؟
أجرت الحكومة المصرية بتوجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عدّة تعديلات دستورية حازت على موافقة غالبية الأصوات في البرلمان المصري وأقرتها لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية وجرى الاستفتاء الشعبي عليها أيام السبت والأحد والاثنين من هذا الأسبوع.
ورغم عدم صدور نتائج الاستفتاء بعد في لحظة كتابة هذه المقالة، إلا أنه يمكننا الجزم مسبقاً بحصوله على نسبة موافقة تجعله نافذاً بناءً على تاريخ النظام المصري القائم وما يستعرضه من «ديمقراطية»، والذي يتشابه في بنيته وسلوكه هذا مع عدة دول مجاورة في المنطقة والعالم.
التعديلات الدستورية
من التعديلات التي ستدخل على دستور مصر: 1- إمكانية تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية. 2- دعم تمثيل المرأة والشباب والأقباط وذوي الاحتياجات الخاصة والمصريين في الخارج. 3- إنشاء غرفة ثانية للبرلمان سُميت «مجلس الشيوخ» لتوسيع قاعدة التمثيل. 4- إصلاح نظام اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية. أمّا التعديل الأبرز فهو: 5- تغيير مدة انتخاب رئيس الجمهورية من 4 إلى 6 سنوات ولولايتين متتاليتين كحد أقصى.
تغييرات شكلية سابقة
نظراً للواقع المصري سياسياً واقتصادياً- اجتماعياً أتت هذه التعديلات تحت عدة عناوين أبرزها «تدعيم الاستقرار»، وإذا كان هنالك من استقرار يجري الحديث عنه فليس ذلك أبعد من استقرار السلطة في يد المنظومة الحاكمة نفسها الممتدة منذ عهد مبارك ومروراً بالإخوان ووصولاً إلى الوضع الراهن؛ فرغم اختلاف شخوص الرؤساء من مبارك إلى مرسي إلى السيسي، ظلّت المنظومة السياسية الاقتصادية ذاتها قائمة وتعمل على محاربة أيّ توجهات تهدف لتغييرها.
الضغط الكبير الذي طبقته الموجة الشعبية الأولى على المنظومة، قبل حوالي عقدٍ من الآن، فرضت عليها تقديم تنازلات حرصت على أن تكون شكلية وبعيدة عن جوهر النظام، إذ اقتصرت في بداياتها على تنحّي الرئيس وإجراء بعض التعديلات الدستورية. ولتثبيت وهم التغيير جرى إيصال الإخوان إلى السلطة بشكل مؤقت، ثم إزاحتهم.
ينبغي التنبه هنا، إلى أنّ لوصول الإخوان إلى رأس السلطة في مصر في عهد مرسي، جانبان متداخلان: فمن جهة شكل الإخوان تاريخياً جناحاً من أجنحة السلطة المصرية، حتى في العهود التي أعلنت عليهم حرباً شعواء بقيت لهم مواقع محفوظة في إدارة شؤون الدولة وخاصة في الجانب الاقتصادي، ومنذ عهد السادات، جرت مصالحة غير معلنة بات فيها الإخوان جزءاً «شرعياً» من السلطة وإنْ دون اعتراف، ولعل من المفيد أن نتذكر أنه يوم سقوط مبارك كان للإخوان ما يقرب من 100 نائب في البرلمان المصري، رغم كل ادعاءات نظام مبارك أنه يحارب التنظيم بل ويحظره.
من الجهة الأخرى، فإنّ الإخوان أداة أساسية من أدوات مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي، وجزء من الفاشية الدولية الجديدة، أي أنّ وصولهم إلى السلطة، وإنْ كان بالنسبة لجناح من أجنحة السلطة مجرد مرحلة انتقالية شكلية صوب الماضي، إلا أنّ الموضوع بالنسبة لمشروع الإخوان، ولمشروع الفاشية الجديدة، لم يكن كذلك إطلاقاً، بل كان عتبة نحو تفجير مصر نهائياً وأخذها نحو حالة مستعصية على النسق الليبي وما يشابهه.
وبهذا المعنى فإنّ عودة الجماهير إلى الشارع لطرد الإخوان، والتي لقيت دعماً من الجناح الذي استعاد السلطة عبر هذه الجماهير، هي عودة لها الفضل الأول بإنقاذ مصر من الدخول في المجهول، وهو أحد إنجازات الحركة الشعبية التي لا يلقى عليها ضوء كافٍ.
ورغم أنّ هذا الإنجاز لم يتم استكماله، إلا أنه إنجاز مهم بكل الأحوال، لكن استمرار السلطة والنظام نفسه بعد مرسي، بات يهدد بفعل تراكم المشكلات والمخاطر الكبرى بالنكوص حتى عن هذا الإنجاز، ما يستدعي موضوعياً نشاطاً جديداً للحركة الشعبية، لا نعتقد أن انتظاره سيطول كثيراً.
التدهور مستمر
بقيت خلف الإجراءات الشكلية المتعلقة بالدستور، السياسيات القمعية والاقتصادية- الاجتماعية ذاتها بلا أيّ تغيير ملموس، وبناءً عليه بقيت الأوضاع السياسية والمعيشية في البلاد بحالة تدهور مستمر طيلة هذا التعديلات الشكلية مروراً بتعويم العملة المصرية قبل حوالي السنة والاقتراض من البنك الدولي وغيرها من المصائب، وستبقى كذلك ببقاء المنظومة نفسها. لتكون هذه الخطوة بتعديل الدستور اليوم، وفي ظل ظروف البلاد الحالية، شكلاً من أشكال التعاطي قليل التبصر مع عمق المشكلات القائمة... وإضافة إلى ذلك أعلنت الحكومة المصرية قبيل الاستفتاء على الدستور رفع معاشات المدنيين والعسكريين في البلاد بغاية احتواء أيّ ردّ فعلٍ شعبي بشكل مسبق على هذه التعديلات.
التحدي مستمر
يعيش المصريون اليوم في حالة ضغطٍ عالٍ على المستويات المعيشية والسياسية، وبغياب أيّ تحركٍ شعبي في الشارع على إثر هذه الإجراءات، ويمثل ذلك تحدياً جديداً تضعه الحكومة المصرية بمنظومتها على نفسها عند انطلاق الموجة التالية؛ فالأسباب التي أفضت إلى انفجار اجتماعي قبل عشر سنين لم تُحل وتراكمت وتتراكم غيرها، بالإضافة إلى آثار التجربة المصرية التي في حالة سكون نشاط جماهيرها الحالي تُراجع نفسها وأخطاءها تمهيداً للخطى المقبلة لتنفيذ المهام الضرورية بالتغيير.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 910