لبنان- عجز الموازنة وعجز الطائفية
على وقع التصريحات والتسريبات الصادرة مؤخراً في لبنان، حول إمكانية لجوء الحكومة اللبنانية إلى إجراءات تقشفية تطال الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص وأجور المتقاعدين في الجيش، عمَّت لبنان احتجاجاتٌ وُصِفت أنها تحذيرية، كما أضرب عدد من اللبنانيين في مختلف الإدارات والمؤسسات العامة بعد دعوة هيئة التنسيق النقابية إلى إضراب عام. وهو ما يشير بجديةِ إلى الوضعِ القائم في لبنان، وتفاقم الأوضاع الاجتماعية التي تنذر أن الساحة اللبنانية- كما الساحتين السودانية والجزائرية- لن تكون بعيدة عن التحركات الاجتماعية بغض النظر عن طابعها وجذريتها السياسية التي يصعب تلمسها حالياً.
التدابير المالية القاسية للحد من العجز في الموازنة اللبنانية للعام الحالي 2019- الذي تشير بيانات وزارة المالية اللبنانية أنّه بلغ خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المنصرم 2018 /4,53/ مليارات دولار أمريكي، والذي تذكر بعض الدراسات الاقتصادية تجاوزه /6/ مليارات دولار أمريكي مع نهاية العام المذكورـ لن تطال في ظل نظام المحاصصة الطائفية سوى أضعف القوى، وهي الشعب اللبناني بكادحيه وفئاته المختلفة حتى العاطلين عن العمل فيه بكافة أطيافه التي تدَّعي طوائفه حمايته!
ورغم أن الأمر لا يعدو بقاءه حالياً ضمن حيّز التصريحات والجدل والنفي..، غير أن المتتبِّع لسياسات الحكومات اللبنانية المتعاقبة- بغض النظر عمَّن يبرز إلى واجهتها من الحريري أو السنيورة أو باسيل- يستطيع لحظ أن كافة الإجراءات السياسية الاقتصادية الاجتماعية المتخذة لم تَطَلْ يوماً سيادة السلطات الطائفية في لبنان، في تجاهلٍ ونكرانٍ لحقيقة أن الأنماط السابقة على الرأسمالية لا يمكن أن تكون شكلاً من أشكال الدولة، وأن طبيعة (الدولة) اللبنانية تشكِّل تناقضاً يبدو أنه يبلغ اليوم درجاته الحرجة. وهو ما يمكن تشخيصه بأنه تناقض بين مجتمع رأسمالي- ليبرالي ونظام سياسي إقطاعي متخلف، وأنه بسببٍ من طبيعة هذا النظام السياسي تم ربط الليرة اللبنانية منذ نشأتها في 1939 بعملات المستعمر الغربي الفرنسي، ثم البريطاني، وأخيراً الأميركي في تسعينيات القرن المنصرم مع بسط السيطرة الأمريكية عالمياً وما نتج عنها- أي عن السيطرة- من ترتيبات إقليمية أخرجَت اتفاق الطائف الذي أرسى (الشكل الحديث) من نظام المحاصصة الطائفية، الذي اعتمد سياسيةً مالية في خفض إنفاق الدولة ورفع الإيرادات، وما تؤدي إليه من خصخصة قطاعات الاتصالات والكهرباء والمياه والمرفأ والطيران والتنقيب عن الثروات..، وهو ما أدى إلى تعطيل وزارات عديدة كالتعليم والسكة الحديدية.. والطاقة الذرية! وحدوث التضخم وصولاً إلى عدم امتلاك لبنان في السنوات الأخيرة لسياسة مالية!
إنَّ عجز السلطات الطائفية الحاكمة في لبنان عن طرح حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية الاجتماعية الجدية القائمة بسببها، سيؤدي إلى دخول لبنان خِضَم التحركات الاجتماعية المفضية إلى قوى سياسية معبّرة عن إرادته وطموحاته في لفظها
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 910