ويكيليكس... في دائرة الضوء من جديد
ضجّت وسائل الإعلام في الثاني عشر من شهر نيسان الجاري بحادثة اعتقال مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان أسانج، الذي تم استناداً إلى مذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة وستمنستر بحقه في عام 2012، على خلفية عدم مثوله أمام المحكمة، وذلك بعد قضائه مدة سبع سنوات في السفارة الإكوادورية في لندن، لتفادي ترحيله إلى السويد المتهم فيها بالاعتداء الجنسي، وسيتم إبقاء أسانج قيد التوقيف حتى 12 أيار المقبل.
تمّ إسقاط تهمة الاغتصاب عن أسانج في 2017، ولكنه ما زال متهمّاً بالكثير من القضايا التي تخصّ عمله في ويكيليكس، حيث تطالب الولايات المتحدة بتسليم أسانج لمحاكمته بتهمة «التآمر مع مخبر ويكيليكس تشيلسي مانينغ لسرقة ونشر وثائق حكومية سرية». ومن المحتمل أن يتم ترحيل أسانج إلى واشنطن، لاسيما وأن الشرطة البريطانية أكدت أن اعتقال أسانج جاء بناء على مذكرة توقيف أصدرها القضاء الأمريكي.
اعتقال أسانج جاء بعد تخلّي الإكوادور عن تقديم اللجوء السياسي له، ولا سيما بعد تغيّر النظام الحاكم فيها، حيث تناقلت مجموعة من الصحف أخباراً عن محاولة نظام لينين مورينو الحليف لواشنطن، تغطية ملفات فساد فاضحة في الإكوادور، عبر الهجوم على شخص جوليان أسانج، بوصفه يتآمر مع رفائيل كوريا، الرئيس الإكوادوري السابق، وكذلك المساهمة في تهيئة الظروف لتسليم أسانج للولايات المتحدة الأمريكية، مقابل إعفاء الإكوادور من ديونها المتقادمة.
الملفت للانتباه هو موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حادثة اعتقال أسانج، حيث قال ترامب: إنه لا يعرف شيئاً عن ويكيليكس ولا عن اعتقال مؤسس الموقع جوليان أسانج. وأضاف: أنه اطلع على تقارير عن اعتقال أسانج في لندن بناءً على طلب السلطات الأمريكية، لكنه قال: إن «أي شيء آخر سيحدده المدعي العام»، ومن المعروف أنّ ترامب في حملته الانتخابية عام 2016 قد امتدح عمل ويكيليكس عدة مرات.
تصريح ترامب المحايد ليس مستغرباً كثيراً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النهج الأمريكي الذي يمثله ترامب، فسياسة «الانكفاء نحو الداخل« و«أمريكا أولاً» في ظل التغيرات العالمية في موازين القوى، والتراجع الواضح للقطب الأمريكي، وعمق الانقسام الداخلي في الجهاز الحاكم الأمريكي، كل هذا يتطلب نقداً لمجمل السياسات التي سبقت هذا العهد الجديد في الإدارة الأمريكية، ويأتي دعم ويكيليكس ضمن هذا السياق.
فويكيليكس هي منظمة نشأت في 2006، وقامت بنشر العديد من الوثائق السرية والاستخياراتية الهامة، على رأسها وثائق تتعلق بالحرب على أفغانستان- حوالي 90 ألف وثيقة- تم نشرها سنة 2010، وفي الأعوام التالية تم نشر مقاطع سرية ورسائل إلكترونية، وبرقيات دبلوماسية ووثائق حكومية وعسكرية بما فيها 400 ألف وثيقة عن الحرب في العراق، ومقطع الفيديو الشهير الذي يوثق هجوماً شنته طائرة أباتشي أمريكية عام 2007 على مجموعة من المدنيين العراقيين في أحد أحياء العاصمة العراقية بغداد.
ملف أسانج اليوم يأتي ضمن سياق مجموعة ملفات أخرى تؤدي إلى نفس النتيجة، فويكيليكس هي تعبير عن تفسخ لمنظومة عالمية، يُضرّ بمصالح هذه المنظومة نفسها إلّا أنه قد يصب في صالح أقطاب أخرى. ومنه لا بدّ عند محاولة تفسير قضايا جزئية مثل: قضية أسانج، لا بد من وضعها ضمن سياقها الطبيعي، فظهور عفن وقذارة المنظومة الأمريكية على أيدي من هم في داخل هذه المنظومة ذاتها، وفي هذه اللحظة التي يتراجع فيها هذا القطب، ويتقدم قطب آخر إنما يدل على عمق الأزمة في المركز الإمبريالي اليوم، والانقسام الصريح الذي يزداد حدةً يوماً تلو الآخر، وخوف هذه الأطراف من فضح ملفاتهم الفاسدة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 909