«بريكست No Deal»... السيناريو المكلف
بريكست «قاسٍ» أو «سلس» أو «بريكست دون اتفاق»، جميع خيارات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي أضحت كابوساً للحكومة، العالقة في مأزق بريكست، لتتصاعد الأصوات الشعبية المطالبة باستفتاء ثانٍ، يضح حداً لهذه الدوامة.
لم يستطع الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي في 25 تشرين الثاني الماضي حول الخروج، حل المسألة، إذ تصاعدت حدة الاعتراضات والخلافات داخل البرلمان البريطاني، لما اعتبره الكثير من النواب داخل المعارضة، وضمن حزب «المحافظين» الحاكم، اتفاقاً يحكم على بريطانيا بعلاقات وثيقة مع الاتحاد الأوروبي واتحاده الجمركي، وهو ما لا يريده أنصار بريكست «القاسي»، أو بمعنى آخر: الخروج التام من الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفع ماي لتأجيل التصويت على الاتفاق داخل البرلمان في محاولة للحصول على تنازلات أخرى من الاتحاد الأوروبي تضمن موافقة البرلمان البريطاني لاحقاً.
تعددت السيناريوهات والأزمة واحدة
الموعد المقرر لتنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو في 29 آذار 2019، وحتى ذلك الحين، إن لم يتم التوصل إلى اتفاق يحظى بموافقة كلٍّ من الاتحاد الأوروبي والبرلمان البريطاني، فمن المرجح خروج بريطانيا دون اتفاق، وهو السيناريو الذي يعُتبر الأكثر تكلفة اقتصادياً واجتماعياً، إلّا في حال تراجعت بريطانيا عن فكرة بريكست بمجملها، وطرحت استفتاءً ثانياً على الشعب، وعندها على الأغلب سيصوت البريطانيون على عدم الخروج، هرباً من المأزق الذي فشلت القوى السياسية الحاكمة من حله، أو أن يحدث سيناريو آخر تماماً بحيث تتعمق الأزمة السياسية في البلاد، ومعها حالة الفوضى، التي قد تفضي إلى عزل ماي وانهيار الحكومة، ووصول قوى سياسية جديدة إلى الحكم– المرجح حزب العمال البريطاني- مما سيغير وجه بريطانيا السياسي والاقتصادي.
ترجيح الخروج دون اتفاق
رجّح، ستيفن باركلاي، وزير الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، أن تغادر بريطانيا الاتحاد دون اتفاق، في حال رفض البرلمان المصادقة على الاتفاق خلال الشهر المقبل، وتشير المعلومات إلى أن الحكومة البريطانية أنفقت حوالي 100 مليون جنيه إسترليني على إعداد الموانئ لمواجهة الصعوبات التي قد تنجم عن الخروج دون اتفاق. لكن ما الذي يعنيه الخروج دون اتفاق، ولماذا يعتبر سيناريو مكلفاً؟
إن «بريكست دون اتفاق» يعني فشل بريطانيا والاتحاد الأوروبي بالتوصل إلى اتفاقٍ بخصوص الانسحاب، وإن لم يتم التوصل لاتفاق، فلن تكون هنالك فترة انتقالية مدتها 21 شهراً، وإذا كان الأمر كذلك، فسيتعين على المستهلكين والشركات والهيئات العامة الاستجابة على الفور للتغييرات الناتجة عن مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وكان وزير الخزانة البريطاني، فيليب هاموند، قد حذر من أن الخروج دون اتفاق سيكلف بريطانيا عشرات المليارات من الدولارات، أكثر مما تساهم به حالياً في عضوية الاتحاد الأوروبي، وأن الاقتراض الحكومي السنوي يمكن أن يقفز بمقدار 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2023 - 2034.
وحسب صندوق النقد الدولي، إن الخروج البريطاني دون اتفاق، أي دون مرحلة انتقالية سيكلف لندن ما نسبته 6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، أي: ما يعادل 141 مليار جنيه إسترليني.
ومن تبعات هذا السيناريو على التجارة مثالاً سيحدث التالي: لن تكون المملكة المتحدة ملزمة بعد ذلك بقواعد الاتحاد الأوروبي، وسيتعين عليها مواجهة التعريفات الخارجية للاتحاد الأوروبي، أي يمكن أن يرتفع سعر السلع في المحلات التجارية للبريطانيين، حيث يتعين على الشركات وضع التعريفات الجمركية على السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي. وقد يتم رفض بعض المنتجات البريطانية الصنع من قبل الاتحاد الأوروبي، حيث قد تكون هنالك حاجة إلى ترخيص جديد وشهادة جديدة. كما يمكن للشركات المصنعة نقل عملياتها من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي لتجنب التأخير في المواد القادمة عبر الحدود.
من ناحية أخرى لن تعود الحكومة البريطانية مضطرة إلى دفع المساهمة السنوية البالغة 13 مليار جنيه إسترليني إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي، ولكنها بالمقابل ستخسر بعض الإعانات الأوروبية، فالسياسة الزراعية المشتركة تعطي 3 مليارات جنيه إسترليني للمزارعين البريطانيين.
إن الخروج البريطاني دون اتفاق من شأنه أن يرضي هؤلاء الذين يطمحون إلى القطع التام والشامل مع الاتحاد الأوروبي، لكنه سيعمق الأزمة المالية والاقتصادية لكل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على حد سواء، مما يعني أزمة سياسية أعمق سترفع من مستوى الاحتجاج الشعبي المنادي بالتغيير.