المقاومة راسخة...أزمة الكيان في اشتداد
لا تزال قدرة المقاومة راسخةً، تمشي بخطىً ثابتة، رغم كل محاولات التطويع والحصار، إذ استطاعت الفصائل في غزة بانتصاراتها الأخيرة، التي أوجعت الاحتلال، نقل المعادلة في فلسطين المحتلة إلى مستوى أعلى، تميل في نتيجتها للصالح الفلسطيني.
عمّقت صواريخ فصائل المقاومة التي استهدفت مستوطنات الكيان الصهيوني في 12 تشرين الثاني الماضي، أزمة حكومة الاحتلال، وهي الأزمة المتصاعدة منذ عامين على أقل تقدير. ورغم محاولات الاحتواء، فإن الأزمة مستمرة، ومن خلالها يمكن تفسير الكثير من سلوك الكيان الصهيوني، حتى فيما يتعلق بعمليات التطبيع الجارية، وآخر ما صدر حول «صفقة القرن» المحتملة، وإلى حد كبير التصعيد ضد «حزب الله» في لبنان.
مأزق حكومي
مع الإعلان عن بدء التحقيقات، في شهر آب 2016، مع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، حول قضايا فساد عُرفت إعلامياً بملفات رقم (1000، 2000، 3000، 4000)، وبالتزامن مع التغيرات الدولية الجارية، دخل النظام السياسي «الإسرائيلي» في أزمة مركبة، داخل حزب «الليكود» الحاكم، وعلى مستوى النظام السياسي ككل.
عَمّق من تلك الأزمة استقالة وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، وانسحاب حزبه «إسرائيل بيتنا» من الائتلاف الحكومي، على خلفية الأحداث الأخيرة في غزة، إذ أصبحت حكومة نتنياهو تتكون من خمسة أحزاب، وتستند إلى 61 نائباً من بين أعضاء الكنيست البالغ عددهم 120 نائباً، أي: بأغلبية نائب واحد فقط. وهو ما يجعل الحكومة هشة في ظل تصاعد الدعوات إلى انتخابات مبكرة في أيار القادم، بدلاً من موعدها المقرر في تشرين الثاني.
يضاف إلى ذلك الضغوط التي يتعرض لها نتنياهو حول قانون تجنيد اليهود الحريديم (اليهود المتدينون والملتزمون بالشريعة اليهودية)، وهو القانون الذي صُدّق عليه بالقراءة الأولى وتعارضه الأحزاب الدينية، إذ أمهلت المحكمة العليا الحكومة «الإسرائيلية» حتى 15 كانون الثاني المقبل للحصول على حل توافقي حوله، مما يعطي أحزاب الحريديم فرصة للتفاوض حول قانون يتجاوب مع مطالبها بإعفاء نشطائها من التجنيد، أو الانسحاب من الائتلاف الحكومي والتوجه لانتخابات مبكرة.
مؤخراً، قدمت الشرطة «الإسرائيلية» توصيات إلى النائب العام تؤكد فيها وجود أدلة كافية لمحاكمة رئيس الوزراء نتنياهو، بتهم فساد في القضية المعروفة باسم (القضية 4000)، ليعود معارضوه من جديد لمطالبته بالتنحي، بينما يتحدث هو عن بذل كل الجهود الممكنة لتجنب الانتخابات المبكرة...
ضغوط فلسطينية ودولية
ولاستكمال الصورة، يجب التذكير بالأعمال البطولية لفصائل المقاومة التي استهدفت بصواريخها المستوطنات المحيطة بقطاع عزة، مما دفع الكيان إلى الخضوع لاتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذي نتج عنه استقالة ليبرمان، وموجة غضب شعبية في دولة الاحتلال طالبت نتنياهو بالاستقالة. وكذلك الاشتباك الفلسطيني المستمر مع الاحتلال في نقاط عدة.
أما على الصعيد الدولي فيستمر تراجع الولايات المتحدة الأمريكية وأثره على الكيان الصهيوني، ويصبح أكثر وضوحاً، إذ فشلت واشنطن يوم 6/12/2018 في استصدار قرار في الأمم المتحدة يدين «حماس» لقصفها مستوطنات «إسرائيلية»، رغم تحذير نيكي هيلي للدول الأعضاء بأن «الولايات المتحدة تتعامل مع نتيجة هذا التصويت بمنتهى الجدية». بينما صوتت الجمعية العامة بـ 156 صوتاً لصالح مشروع قرار ايرلندي يؤكد على حل الدولتين وإنهاء الاحتلال.
أنفاق الجليل: مهرب من الأزمة؟
في ظل هذه الظروف، ظهرت ادعاءات الكيان الصهيوني بوجود أنفاق لـ «حزب الله» على الحدود هدفها السيطرة على منطقة الجليل، ووفقاً لهذا استأنفت قوات العدو عمليات «درع الشمال» بهدف تدمير تلك الأنفاق.
وبغض النظر عن وجود تلك الأنفاق أم لا، فإن توقيت العملية وحسب الكثير من التحليلات، هدفها الهروب من الأزمة الداخلية لحكومة الاحتلال، من خلال توجيه رسائل للداخل «الإسرائيلي» ولأعضاء الكنيست بوجود خطر خارجي، مما يضمن بقاء حكومة نتنياهو لأطول وقت ممكن. إذْ أن قضية الأنفاق ليست بالجديدة، وهو ما أشار إليه الخبير «الإسرائيلي» دورون بيسكين، بالقول أنه: «منذ عام 2006 هنالك كثير من التقارير العلنية في وسائل الإعلام العربية وغيرها، تتحدث عن وجود أنفاق في جنوب لبنان»، وهو ما تحدثت عنه أيضاً زعيمة المعارضة «الإسرائيلية» تسيبي ليفني، باتهامها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بـ«التضخيم، في قضية اكتشاف أنفاق لـ«حزب الله» شمال «إسرائيل» لأغراض سياسية».
دون نفي إمكانية وجود تنسيق أمريكي مع الكيان الصهيوني حول العملية، أساسه التقاء المصلحة «الإسرائيلية» مع مصلحة الولايات المتحدة وسلوكها القائم على التوتير وإشعال الأزمات وتعقيدها، وخاصة أنها تزامنت مع لقاء جمع نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بروكسل. إلّا أن احتمالات تطور عملية «درع الشمال» وتحولها إلى اجتياح عسكري للبنان تبقى ضعيفة في ظل تعقّد الأزمات الداخلية للكيان.
إذاً، يمكن اختصار المشهد العام الذي يتخبط ضمنه الكيان الصهيوني اليوم بالتالي: تغيرات دولية تتراجع ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية ويتعمّق فيها منطق حل الأزمات على أساس القرارات الدولية، أزمة داخلية في الحكومة «الإسرائيلية» وملفات فساد تلاحق رئيس وزارئها بنيامين نتنياهو قد تُفضي به إلى المحاكم في ظل احتمال انهيار حكومته، قلق عام داخل الكيان مع فشل منظومة الردع «الإسرائيلية» في كبح الصواريخ القادمة من غزة، وصمود المقاومة الفلسطينية.
وهي أزمة مركبة ستتعمّق مع استكمال التغيرات الجارية في العالم، وهو ما تدركه نُخب الكيان، وما سيجبر حكومة الاحتلال على تغيير سلوكها، والرضوخ إلى وقف إطلاق النار مؤخراً في غزة ليس إلا مثالاً سيتكرر، ولذلك لا تبدو مستغربة في هذا السياق انتقادات رئيس جهاز الاستخبارات «الإسرائيلية» الأسبق داني ياتوم، لسياسة دولة الاحتلال في ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، الذي اعتبر أنه «هناك جبهة شمالية، وهنالك جبهة جنوبية، ونريد تجنب جبهة مركزية ..لأن وضعنا سيكون أكثر صعوبة».