مجموعة العشرين: اعتراف رأسمالي بالفشل
جرت القمة العاشرة لمجموعة العشرين في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في 31 تشرين الثاني و1 كانون الأول لتنتهي بصدور بيانها الختامي وأهم ما ورد فيه: العمل على إصلاح منظمة التجارة العالمية، والتأكيد على استمرار العمل باتفاقية «باريس» للمناخ العالمي بصرف النظر عن انسحاب واشنطن منها.
يجدر في البدء التذكير بأن مجموعة العشرين تأسست في عام 1999 في واشنطن على إثر الأزمات المالية العالمية، وهي تضم 19 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وكان يحضرها في البدء وزراء مالية أعضاء مجموعة العشرين، بغاية تعزيز الاستقرار المالي الدولي وتنسيق العمل بين الدول الصناعية الكبرى لتفادي الأزمات الاقتصادية، ثم لأول مرة وعلى إثر الأزمة التي حدثت في 2008 اجتمع بها رؤساء الدول الأعضاء واستمرت على هذا النحو، وتستضيف مجموعة العشرين في اجتماعاتها عدداً من أعضاء المؤسسات الدولية مثل: صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.
من الإدارة إلى الحل
إن مجموعة العشرين هذه كغيرها من المجموعات والمؤسسات الدولية تتباين وتختلف آلياتها ونتائجها تبعاً للتغيرات السياسية الجارية دولياً، وفي التحديد موازين القوى الدولية، فضمن هذا السياق شُكلت المجموعة أساساً في ذاك الزمن الذي كانت تسودهُ أحادية قطبية من الجانب الأمريكي، وخلف كُل شعاراتها كان يقبع هدف «إدارة الأزمة المالية» أو الأدق «إدارة الأزمة الرأسمالية» وفقاً لما يتماشى مع مصالح الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، بتصديرها عبر أدواتها على حساب جميع البلدان الأخرى وشعوبها، أما اليوم ومع مجمل المتغيرات الدولية، ومع ما ظهر في أثناء الاجتماع وفي بيانه الختامي، فقد بدا أنه بدأت عملية تَحوّل لهدف المجموعة من «إدارة» إلى «حل الأزمة المالية»، بغض النظر عن إمكانية هذا الحل نهائياً بالمعنى العلمي في الرأسمالية التي تأكل نفسها، ولكن هذا المتغير يعني على المدى البعيد أن ذاك النمو الذي كان يفضّل حِلفاً محدوداً على حساب سائر الدول لم يعد متاحاً، وأن العولمة الاقتصادية على الهيئة الأمريكية قد أصبحت من الماضي، فاليوم يسير الميزان الدولي نحو تعددية قطبية، سياسياً واقتصادياً.
فشل منظمة التجارة الدولية
تأتي «منظمة التجارة الدولية» أيضاً ضمن هذا السياق، فهي من تلك المؤسسات نفسها التي أنشئت على أعقاب الحرب العالمية الثانية لصالح الأحادية القطبية الأمريكية، بشعار «انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية»، لتكون في هذا الاجتماع العاشر لمجموعة العشرين محوراً أساسياً بمناقشته والردّ على «السياسات الحمائية الأمريكية» المتّبعة مؤخراً، فقد اعترفت المجموعة علناً بفشل هذه المنظمة، وتم الاتفاق على إصلاحها وعلى العمل بنظام تجارة تعددي، وتعني هذه التعددية ضمناً وبالتحديد موضوع الدولار وارتباطه بالعمليات التجارية الدولية التي تتيح لواشنطن التحكم بها عبره، أما الإصلاح فأيضاً يعنى به ضمناً نزع الهيمنة الأمريكية عن منظمة التجارة الدولية لتنفذ مهمة شعارها الآنف الذكر ضمن ميزان دولي بتعددية قطبية دون هيمنة من أحد.
محاولة للحفاظ على التوتير
تجري في القمة عادةً اجتماعات على هامشها بين رؤساء الدول والوفود المشاركة نظراً لتواجدهم في مكان واحد، ولإيجاد توافقات بين الدول المتنازعة، وهو ما جرى أيضاً في هذه القمة باستثناء ترامب الذي كان من المزمع أن يُجري اجتماعات مع الرئيس الروسي والرئيس التركي ورئيس كوريا الجنوبية وولي العهد السعودي ليلغيها جميعاً بذرائع مختلفة، بالإضافة إلى محاولات العرقلة على نتائج القمة لكنها لم تجدِ نفعاً، أهم هذه الاجتماعات الملغاة كانت مع الرئيس الروسي بذريعة خلافات مضيق كيرتش، ولكن حقيقة الإلغاء تعود للانقسامات الأمريكية داخلياً، حسب ما عبر عنه الجانب الروسي أيضاً، حيث يبدو أن هنالك تياراً في الداخل الأمريكي يدرك بأن نتائج هكذا اجتماع لن تكون أفضل من قمة هلسنكي، التي تعرض فيها ترامب لانتقادات اتهمته بالإذعان لروسيا والظهور بموقع الضعيف حينها، هذا بالإضافة إلى المصلحة الأمريكية في استدامة التوتير سواء فيما يخص التجارة الدولية، أو اتفاقيات النفط، أو معاهدة الصواريخ وغيرها التي تجبر هذه الاجتماعات على التوصل لتوافقات عامة حولها على أقل تقدير.
احتجاجات أرجنتينية
بالتوازي مع بدء اجتماع مجموعة العشرين، انطلقت مظاهرات من تيارات يسارية في العاصمة الأرجنتينية مناهضة للعولمة وتدعو الأرجنتين لرفض تسديد ديون صندوق النقد الدولي، فقالت الناشطة نورا دي كورتينياس «نحن ندين التوفيق بين الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري وسياسة مجموعة العشرين للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يعني أن تدفع البلاد الديون غير الشرعية التي يستحيل دفعها من حيث المبدأ» وأن ذلك سيؤدي إلى «سياسة أبدية للقيود في الاقتصاد، مما يعني تقليل الأجور والمعاشات»، حال بلدهم كحال جميع ضحايا صندوق النقد الدولي من دول الأطراف المستدينة منه.
مزيدٌ من التفاؤل
إن هذا التوازي- بين التحركات الشعبية الجارية والتغييرات السياسية الاقتصادية دولياً نحو تثبيت ميزان التعددية القطبية، يدفع بالمزيد من التفاؤل، إلّا أن هذا الأخير لن يتحول واقعاً دون جهود وعمل باتجاهه من قبل حوامله السياسية عالميا ومحلياً، بما فيها سورية، فنتائج القمة العاشرة لمجموعة العشرين تشكل نقطة مضافة نحو تأمين الظرف الموضوعي للتغيير الحقيقي في البلاد وبقيادة السوريين وحدهم دون تسلّط واعتداء من أحد، وبعيداً عن أوهام إعادة الإعمار التي يجري رسمها وتمهيدها وترويجها حالياً اعتماداً على الظروف الدولية والتجارية والمالية الماضية، فلا «دولارات الغرب أو الخليج» المُعول عليها في هذه الأوهام لها قيمة، ولا نموذج «صندوق النقد الدولي» وأشباهه لها إمكانية الوصول قبل التحكم أساساً.