مصر... وضرورات التوجه شرقاً
جواد محمد جواد محمد

مصر... وضرورات التوجه شرقاً

أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الاثنين 15/10/2018، زيارته الثانية- الأولى كانت في 2014- إلى روسيا الاتحادية كرئيس لمصر، والتي استمرت ثلاثة أيام، قابل فيها الرئيس بوتين ورئيس وزراء البلاد، بالإضافة إلى خطاب ألقاه في مجلس الدوما.


تأتي أهمية الزيارة المذكورة كون مصر تعتبر من أهم الدول المفتاحية في المنطقة، قام رئيسها بزيارة تستمر ثلاثة أيام إلى دولة تعتبر صاعدة ومن أعمدة المجتمع الدولي، أفضت إلى توقيع اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجي بين مصر وروسيا، آخذين بعين الاعتبار انخفاض مستوى العلاقات بين الجانبين في الفترات السابقة.
تفاصيل الزيارة
تضمن جدول أعمال السيسي في روسيا لقاءات مع مختلف القادة السياسيين في البلاد، حيث تمت مناقشة المسائل السياسية بين الجانبين، ولاسيما سورية وليبيا واليمن.
كما تضمنت الزيارة بحث فرص التعاون العسكري، وقيام السيسي بمشاهدة بعض العروض العسكرية لما تنتجه معامل السلاح الروسية من أسلحة فردية، وبعض أنواع المقاتلات والمدرعات، والأهم من ذلك كله أنظمة الدفاع الجوي «S300».
بالإضافة إلى ذلك تم التطرق إلى واحدة من القضايا الحساسة بالنسبة لمصر على الصعيد الاقتصادي وهي موضوع السياحة، والمسألة المتمثلة بإعادة الرحلات الجوية بين الجانبين، والتي تعتبر وسيلة النقل الأولى للسياح الروس إلى مصر، الذين بدورهم تحولوا إلى تركيا بعد إيقاف الحكومة الروسية الرحلات الجوية إلى مصر لأسباب أمنية أعقبت حادثة تحطم الطائرة الروسية، وهو الأمر الذي تحاول مصر جاهدةً منذ فترة طويلة حلّه مع الجانب الروسي.
يعتبر مشروع محطة «الضبعة» النووية، من أهم القضايا الاقتصادية الإستراتيجية التي تسعى مصر لإنجازها بالتعاون مع الجانب الروسي، فبناءً على بعض المعطيات المذكورة فإنه سيتم بحلول عام 2020 إنجاز الجزء الأول فقط من المشروع، والذي سيضم أربعة مفاعلات لتوليد الكهرباء كل منها ينتج 1200 ميغا واط يومياً لنحصل في النهاية على ما مجموعه 4800 ميغا واط يومياً، فيما ينتج السد العالي ما يقارب 2000 ميغا واط يومياً حسب بعض الإحصاءات الرسمية المصرية، الأمر الذي يدفعنا إلى إدراك أهمية المشروع وجدواه العالية.
قراءات أعمق
إن الزيارة المذكورة أتت في سياق المضي قدماً لإنجاز ما تم الاتفاق عليه مسبقاً بين الجانبين مع إجراء بعض الاتفاقات الجديدة، الأمر الذي لا يقلل من أهميتها، وذلك نظراً لطبيعة الاتفاقات المعلنة على الأقل، وأهمية كل من الدولتين من حيث تموضعهما الدولي والإقليمي الحالي، وهو ما يدفعنا إلى تأكيد جملة من الحقائق الأولية:
أولاً: إن الزيارة المذكورة ونوعية الاتفاقات التي نتجت عنها، تشير إلى مفصل هام في توجهات الدولة المصرية، ويمكن القول بأنها ليست مسألة نوايا بقدر ما هي ضرورات الواقع التي تدفع مصر إلى السير في هذا الاتجاه، نتيجة لتبعات التوجه غرباً خلال الحقبة الماضية، التي انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي الاجتماعي لمصر، وعلى وزنها بالعموم، ونتيجة للتوازن الدولي الجديد الذي يدفع دولاً عدة للسير في هذا الاتجاه كما حدث مع تركيا مثالاً، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى تغيير في منظومة العلاقات المصرية الخارجية، نحو استعادة الدور الوظيفي للدولة المصرية في عموم المنطقة في حال تعمق السير في هذا الاتجاه.
ثانياً: إن هذه الزيارة لا تعني قطع العلاقات مع القوى والدول الغربية، والتي لا تزال تحظى بنفوذ مالي واقتصادي، بالتالي سياسي جَدّي في مصر، الأمر الذي يؤكده «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري»، والذي يقوم بإصدار وثيقة سنوية تحت اسم «مصر في أرقام» تؤكد ارتفاع حجم الاستثمارات الخارجية التابعة لدول أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بالإضافة إلى الخليج، مع بدء ارتفاع حصة كل من روسيا والصين في السنوات الثلاث السابقة بشكل جَدّي.
وهنا نريد الإشارة إلى أن درجة التوجه شرقاً لأي جهاز دولة حالياً باتت المعيار الرئيس في قدرة هذا الجهاز على تمثيل مصالح الشريحة الكبرى من الشعب، على النقيض من مصالح تلك الشريحة الاقتصادية القليلة والمهيمنة، التي تدر الأرباح من ارتباطها بمنظومة العلاقات الغربية القائمة، والتي لا تصبّ إلّا في جيوبهم، ومنها إلى البنوك الغربية مجدداً.
ثالثاً: إن حصول روسيا على حق إنجاز مشروع محطة «الضبعة» النووية تم عبر مناقصة تقدمت إليها دول عدة، مثل: الصين وفرنسا وكوريا الجنوبية، حيث تم تأريض المحاولات المصرية المتكررة لتكون جزءاً من النادي النووي الغربي روسياً، ليتكرر أمامنا السيناريو المتعلق بإنجاز السد العالي، كما أن مضي روسيا قدماً وجدّياً في إنجاز المشروع إنما يؤكد على التباين الجذري في طبيعة العلاقات مع القوى الغربية مقارنةً مع دول الشرق الصاعدة حالياً، حيث إن الغرب غير مستعد لتقديم وإنجاز تلك المشاريع الجديّة، والتي من شأنها نفي معادلة التبادل اللامتكافئ، وعزل الدول ومصالحها الحيوية عن تأثير تغيرات السوق وشروطها، مع فتح أفق غير محدودة للتطور.
إن التوجه شرقاً لا يخضع اليوم لنوايا هذه الجهة أو تلك فقط، بل أصبح ضرورة موضوعية، إذ أن انسداد الأفق أمام القوى العالمية التقليدية، وعدم قدرتها على تقديم الحلول بل ميلها لخلق الأزمات، يدفع بجميع الأطراف إلى البحث عن خيارات جديّة قادرة على تأمين الشروط اللازمة لإنجاز المشاريع الضرورية، مع امتلاكها القوة الاقتصادية، كذلك القوة العسكرية اللازمة لِصَون هذه التوجهات من تلك التدخلات الغربية، كالتي كانت تدعي أن القضاء على «داعش» سيستغرق 30 عاماً.