حصان طروادة «المنظمات غير الحكومية»
يزن بوظو يزن بوظو

حصان طروادة «المنظمات غير الحكومية»

منظمات خيرية وأخرى إنسانية، بعضها يُعنى بحقوق الطفل، وأخرى بحقوق المرأة، وغيرها للحد من الفقر، ولحماية البيئة منظماتها، كما للحيوان أيضاً وهلمّ جراً...

هي مسميات لمجموعات عمل تنبع هنا وهناك، بعضها بتمويل ذاتي، وغالبها بتمويل لا يعلم مصدره إلّا مُشغلوه، لتدخل حدود بلد ما وتطلب موظفين ومتطوعين من داخله... تبدو مجموعات بريئة بعناوين وشعاراتٍ وردية، ولكنَّ للبعض رأياً مخالفاً، كحكومة باكستان مؤخراً، حيث طردت ثمانيَ عشرة منظمة من أراضيها بمهلة 60 يوماً فقط.
منظمات «إنسانية» تهدد الأمن القومي؟
قامت باكستان بطرد هذه المنظمات بسبب أنشطتها التي تهدد الأمن القومي للبلاد، الأمر الذي قد يستغربه البعض، ولكن الحقيقة أن الكثير من هذه المنظمات تكون بمثابة رأس سهم لأجهزة مخابرات أجنبية تجري أبحاثاً على العديد من جوانب البلد المُصاب بها، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً، بالإضافة إلى الترويج لأجندات لها غاية ما، كإنشاء نوى لتكتلات اجتماعية تؤمن «بقضايا» ثانوية أو وهمية تُعادي بعضها الآخر، أو تُحرض عند لحظة ما على سلوك اجتماعي يدفع بهذا الحد أو ذاك إلى شرارة قد تُشعل حرباً أهلية بعد تعبيد الطريق لها، بالإضافة إلى تجنيد بعض المواطنين– سواء أعلموا أم لم يعلموا- كجواسيس لهذه المنظمات داخل جهاز الدولة بمختلف مؤسساته... والعديد من الأنشطة الأخرى تحت شعارات «إنسانية» تجعل من هذه المنظمات خطراً يصل إلى مستوى الاحتلال الأجنبي.
الخطوة الباكستانية سبقتها إجراءات روسية شبيهة في هذا المجال، هدفها تنظيم نشاط «المنظمات غير الحكومية» والحد منها في ظل الهجوم الغربي الذي تواجهه روسيا، وذلك من خلال إصدار قانون يتيح للسلطات منع المنظمات الأجنبية التي تصنف «غير مرغوب فيها» من قبل الدولة، وقانون آخر يجبر «المنظمات غير الحكومية» التي تتلقى تمويلاً من الخارج ولديها «نشاط سياسي» أن تُسجل باعتبارها «عميلاً أجنبياً».
الحصان في ميدان باكستان
تدفقت الكثير من هذه المنظمات مع مطلع القرن الحالي، خصوصاً بعد الحروب والكوارث الطبيعية في 2005 و2010 التي أصابت باكستان، لتتخذ منها ذريعة، ومُستغلة حاجة الدولة والشعب للتمسك «بقشة الغريق» دون إثارة مخاوف منها، فرغم أن العديد من هذه المنظمات تدّعي أنها غير سياسية وتهتم برفع مستوى معيشة الباكستانيين، إلّا أن بينهم من يُدار كجبهات لوكالات استخبارات أجنبية، فبمجرد دخولهم قامت هذه المجموعات بتجنيد مصادر خاصة بها، وأثّرت في العمليات الانتخابية، بدءاً من القواعد الشعبية وصولاً إلى المستويات الوطنية، عبر جمع المعلومات عن المواطنين، وثم فبركة دراسات واستطلاعات عن الشارع الباكستاني، للتّلاعب في الرأي العام ودفعه بمسارات تخالف مصلحته وتعزز الانقسامات والاشتقاقات لتصنع أرضية من التوتر المُزمن.
الخلافات مع شُرطي التوازن القديم
أتت هذه الإجراءات على خلفية توتر العلاقات بين واشنطن وإسلام أباد في الفترة السابقة، حالهم كحال جميع الدول التي تطالها تدريجياً تغيّرات طقس التوازن الدولي من فصل قديم إلى آخر جديد آتٍ من الشرق، فبمقابل الإجراءات الحكومية التي تُقلص من هيمنة الغرب بمختلف أدواته وذرائعه، ومحاولة المضي قدماً بما عبر عنه رئيس الوزراء الباكستاني بأن بلاده لن تكون «كبش فداء» لواشنطن، تظهر باكستان بوجه أكثر ليونة بمرور الوقت مع روسيا والصين، فكان آخر ما حُرر قبل حوالي الأسبوعين أن وقَّعت موسكو وإسلام أباد مذكرة للتعاون في تنفيذ مشروع خط بحري لتوريد الغاز من إيران لباكستان والهند، في أثناء قطع واشنطن للمساعدات عنها.
«المنظمات غير الحكومية» في سورية
على إثر الأزمة الجارية في بلادنا تغلغلت العديد من هذه المنظمات في مجتمعنا بالذرائع ذاتها، في الوقت الذي يتطلب أكثر من أي وقتٍ آخر على الحدّ من خطرها، ليأخذ بعضها دوراً يحلّ محل الدولة، ويغتني الفاسدون أكثر عبر ريعها لصالح قوى أجنبية مختلفة، ناهيك عن جدوى عمل هذه المنظمات حتى وإن كانت بريئة، فالمشكلة لا تُحل عبر تخديرها أو ترقيعها بعناوين «إنسانية مغرية وجذابة» بل باقتلاع منبعها ومسببها، فكيف إذا كان هذا الأخير هو من يُسهّل دخول هذه المنظمات من أبواب واسعة؟ فلا حل هنا إلّا بإنجاز التغييرات السياسية الجذرية الضرورية أولاً، وهذه الأخيرة أيضاً لن تُنجز إلّا بعد البدء بالحل السياسي الذي لا تزال تحلم قوى الفساد هذه ذاتها بعرقلته وتأخيره استمراراً للأزمة وإطالة عمرها.