النظام العالمي الليبرالي والأسطورة الزائلة

النظام العالمي الليبرالي والأسطورة الزائلة

يجمع العديد من الباحثين اليوم على أن النظام العالمي الليبرالي بأدواته الاقتصادية والسياسية قد وصل إلى طريق مسدود، وأن استمرار هيمنته لم تعد ممكنة كما السابق، لذلك فإن هذه المنظومة آخذة بالتراجع ليحل محلها نموذج أكثر عدلاً ومساواة.

في هذا السياق كتب ستايسي ليتل مقالاً حول مقابلة مع خبير في العلاقات الدولية يامين هاداد، نُشرت في موقع «أتلانتيكو» الفرنسي، يجادل فيها حول أن النظام العالمي الليبرالي، الذي تم الحديث عنه كثيراً في الآونة الأخيرة، هو في الواقع خيال ينمو بشكل حصري من طموحات السياسة الخارجية الأمريكية. هل كلامه صحيح، وكيف تغير نظام إدارة العالم؟
نظامٌ لإثراء النخب
على عكس الاعتقاد الخاطئ الواسع بأن العولمة هي عملية موضوعية لتطور العالم، فإن الحقائق تثبت عكس ذلك. لقد تم إنشاء العولمة ونظام المؤسسات فوق الوطنية من قبل الناس الذين رأوا مصلحتهم الشخصية في تطوير مثل هذا النظام. باستخدام أساليب التلاعب والمنافسة، تمكنوا من خلق الوهم بأن العولمة مبررة تاريخياً. لكن ما هي الحقيقة؟
يمكن التأكيد على أن هذا النظام قد تم بناؤه بهدف زيادة إثراء النخب التي تقف خلف كواليس الولايات المتحدة. وفي هذا السياق يقول الباحث المشهور إيمانويل والرشتاين:
«كانت الولايات المتحدة واحدة من ركائز التنمية الاقتصادية والسياسية بعد الحرب العالمية الثانية. وكانوا، على الأقل، من 1945 إلى 1970 تقريباً مهيمنين. إن الهيمنة كأداة لديها القدرة على إنشاء نظام عالمي تكتسب الرأسمالية فيه زخماً وأرباحاً».
والواقع، أن أمريكا أنجبت نظام بريتون وودز النقدي، الذي دمر نظام «المعيار الذهبي»، وحال دون تدمير قوى العولمة المدمرة للهويات التقليدية. وتم إنشاء مؤسسات، مثل: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. ولقد عملت هذه المنظمات، ولا تزال تعمل بشكل حصري في منطق الليبرالية العالمية. يجب أن يخدم تدمير الهوية غرضاً واحداً، وهو: الإثراء الأبدي للنخب.
ومع ذلك، في الوقت الحالي يمكننا القول: إن النظام العالمي الليبرالي، الذي إذا كان يمكن اعتباره أسطورة فقط على أساس نظرية أنه عمل في مصلحة دولة واحدة، أو بالأحرى لمصلحة الناس وراءه، وبدأ يتغير ويكتسب ميزات ظاهرة جديدة، حقيقية بالكاد يمكن أن تسمى أسطورة.
إعادة بناء النظام
الآن، يمكننا مراقبة تحول النظام العالمي. إنه يدخل مرحلة ما بعد أمريكا، أي: أن عصر العولمة انتهى بالفعل.
يقدم رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عدداً من التصريحات حول كيفية معارضته للعولمة، وأن التجارة الحرة ليست سلعة مطلقة. ومع ذلك، في الواقع، لا نرى أية تغييرات حقيقية، حتى على الرغم من الواجبات التجارية المختلفة. في الواقع، هذا هو نتيجة لتحويل النظام العالمي.
كتب نيجري وهاردت في عملهما المشترك بعنوان «الإمبراطورية» عن تغيير أقطاب المحيط والوسط كما يلي: إن التقسيم المكاني للبلدان إلى ثلاثة عوالم أصبح مربكاً إلى درجة أننا نكتشف دائماً عالماً ثالثاً في العالم الأول، والأول في الثالث، في حين أن العالم الثاني لم يعد موجوداً عملياً.
كان هنالك تعديل للنظام العالمي، أي نظام رأسمالي يعلن تقسيم العالم إلى مركز، وشبه محيط، ومحيط. ويتم استبدال عصر الرقابة بعصر من الفوضى العالمية الخاضعة للرقابة.
العالم الجديد والإمبراطورية
كما هو واضح، كان النظام العالمي يتشكل من خلق ظروف ملائمة للغاية للتشغيل الحر لرأس المال، وهو ما أدى إلى محو أية حواجز، سواء أكانت دولاً وطنية، أو أشخاصاً.
وهكذا، خلقت العولمة ثقافة جديدة كلياً، أو بالأحرى معاداة للثقافة. إن محو أي شكل تقليدي من أشكال الهوية خلق جواً أصبح فيه رأس المال- الذي يمكن استخدامه في هذه الحالة كمرادف للعولمة- مهيمناً، بالإضافة إلى خلق نظام من الفوضى يسرع تدمير البشرية، ويغير في الوقت نفسه أساليب إدارة المجتمع.
فبدلاً من التصرف بالطرق المعتادة لإملاء إرادتهم من خلال جميع رؤساء الدول أنفسهم، بدأوا في استخدام أساليب التلاعب التكنولوجي السياسي. حيث يتم إنشاء حالة فريدة من نوعها من التدمير الذاتي، الناس أنفسهم ينكرون تقاليدهم، هم أنفسهم يدمرون التسلسل الهرمي المعتاد غير المربح للنخبة العالمية، هذه هي الطريقة التي يسمونها النظام، ويصبح هذا النظام شاملاً ولا يترك مساحة للعمل الحر.
النتائج
نحن نشهد عملية لتغيير تكتيكات العولمة. بدأت مجملها في التعبير عن نفسها في أشكال جديدة. وهكذا، يتم إعادة النظام إلى نظام جديد للسيطرة السياسية، حيث تبدأ جميع الأشكال الكلاسيكية والتطورات المؤسسية في فقدان المعنى، ويتم الإعلان عن تسارع معدل التدمير. وهذا هو تشخيص عالمنا الحديث.

آخر تعديل على الإثنين, 10 أيلول/سبتمبر 2018 14:05