الصين في إفريقيا: تَحدٍّ للهيمنة الغربية
هند دليقان هند دليقان

الصين في إفريقيا: تَحدٍّ للهيمنة الغربية

عقدت في الثالث والرابع من شهر أيلول الجاري سلسلة من المؤتمرات في إطار قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، بمشاركة أكثر من ألف ممثل إفريقي عن أكثر من 600 شركة ومجموعة أعمال ومؤسسة بحثية، إضافة إلى ممثلين عن 53 دولة إفريقية تقيم الصين علاقات اقتصادية معها، من بينها: جنوب إفريقيا وأنغولا ودولاً عربية مثل: السودان والجزائر ومصر.

تعّهدت الصين في هذا المنتدى بتقديم قروض دون فوائد تصل لـ 15 مليار دولار، ورصدت حوالي 60 مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في الأعوام الثلاثة المقبلة. إضافة إلى تعهدها بالقيام بالعديد من الاستثمارات نذكر منها: استثمارات اقتصادية في منطقة السويس، وخصوصاً في قطاعات المنسوجات وتجميع السيارات. فما هي الأهداف التي ترمي إليها الصين؟ وعلى ماذا يدل تنامي مستوى العلاقات الصينية الإفريقية؟
أهداف المنتدى
أبرز الاستثمارات التي أعلن عنها في المنتدى جاءت في سياق ما تضمنته المبادرة التي طرحها الرئيس الصيني باسم «الحزام والطريق» والتي تستهدف التعاون والتشارك بين الصين والدول الواقعة في نطاق المبادرة وفقاً لمبدأ الجميع يكسب، ومبدأ المنفعة المتبادلة، حيث لفت مسؤول صيني إلى أنه «عند القيام بالاستثمار أو تمويل مشروعات الحزام والطريق، تلتزم الصين دائماً بمنهج اقتصادي قائم على الفائدة، حيث تقدم القروض على أساس الظروف الحقيقية للدول المعنية، وتدعم بناء المشروعات، وتتجنب خلق المزيد من مخاطر الديون، أو زيادة الأعباء المالية على الدول المضيفة».
وهذا ما أكده الرئيس الصيني قائلاً: «نحن ندعم الدول الإفريقية في بناء الحزام والطريق معاً لتقاسم النتائج المربحة مع الجميع».
لمحة تاريخية
أبصر هذا المنتدى النور منذ عام 2000، وأصبح يُعقد بشكل متكرر كل ثلاث سنوات. ولكن حكاية المساهمة الصينية في عمليات التمويل الاقتصادية في إفريقيا بدأت منذ حوالي منتصف القرن الماضي، حتى أصبحت الصين اليوم الشريك الاقتصادي رقم واحد في إفريقيا للسنة التاسعة على التوالي منذ عام 2009، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما خلال العام الماضي 170 مليار دولار بزيادة 14% عن عام 2016، وتطور التنسيق بين الجانبين ليشمل التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني والمالي والإنساني.
ماذا حققت الصين في إفريقيا؟
لعلّ أبرز ما يميز المشاريع التي قامت بها الصين في إفريقيا، هو: توجهها نحو الاستثمار في قطاعات الإنتاج الحقيقي، فمثلاً ساهمت الصين بشكل فعّال منذ بدء العلاقات مع إفريقيا في رفع سويّة البنية التحتية في العديد من البلدان الإفريقية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: ميناء باغامويو في تنزانيا الذي سيصبح أكبر ميناء في إفريقيا عند اكتماله، وخط نيروبي- مومباسا الحديدي في كينيا، وخط أديس أبابا- جيبوتي الحديدي، إضافة إلى خط السكك الحديدية بين تنزانيا وزامبيا الذي أنشأته الصين في ستينات القرن العشرين.
كذلك فقد استثمرت الصين في الزراعة للحد من الفقر، وأقامت مشروعات زراعية ناجحة، مثلاً: قامت الصين بتعليم سكان بعض القرى في تنزانيا على تقنيات زراعة الذرة الصينية، مما أدى إلى ارتفاع في مستوى إنتاج الذرة مرتين على الأقل، وعلى مدار الأربعين سنة الماضية استطاعت الصين انتشال نحو 700 مليون شخص من براثن الفقر.
إفريقيا بين الصين والغرب
لطالما شكّلت القارة السمراء عامل إغراءٍ مثيرٍ جداً للرساميل الغربية، فاليد العاملة الرخيصة، والمواد الخام، والثروات الباطنية الكبيرة، شكلت بمجموعها عوامل جذب قوية للقوى الغربية، ولكن الاستثمارات الغربية كانت موجّهة بشكل أساس إلى قطاع الخدمات ومرتكزة على الإنفاق الاستهلاكي، بمعنى: أنها كانت تسعى للعمل في قطاعات إنتاج غير حقيقية وغير قادرة على الصعود بمستويات نمو حقيقية للبلدان الإفريقية. هذا عدا عن أن هذه المشاريع كانت تتم بشروط صعبة وقروض كبيرة، وبالتالي حجم دين كبير صعب السداد، والذي يعني: مستوى أعلى من الهيمنة السياسية على هذه البلدان.
على العكس من ذلك فقد عملت الصين على رفع مستويات النمو والحد من انتشار الفقر، وزيادة نسبة القوى المنتجة، ورفع المستوى التقني والفني لهم، وذلك كله كان يتم من خلال مشاريع اقتصادية منخفضة التكاليف، وبقروض ميّسرة ومساعدات غير مشروطة.
ما السر وراء هذا الفارق بين الصين والغرب؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من الإشارة إلى أن ما تقدمه الصين لإفريقيا ليس حسنة، إنما ما يحدث يدخل في سياق تبادل المنفعة المتبادل، فمثلاً: تم توقيع اتفاق بين الصين وغانا في عام 2007 على بناء محطة للطاقة الكهرومائية، من خلال قرضين منفصلين من بنك التصدير والاستيراد الصيني، الأول: لشراء المعدات الصينية بقيمة 292 مليون دولار، والثاني: بقيمة 270 مليون دولار بسعر فائدة ثابتة قدرها 2%.
أما سداد القرض فيكون من خلال مبيعات تصدير حبوب الكاكاو للصين بمعدل 40 ألف طن سنوياً خلال فترة القرض المحددة بـ 20 عاماً. فالغالب في منطق التعاطي الصيني هو سياسة المصالح المتبادلة، وعلى اعتبارها، أي: الصين، بلداً من بلدان الأطراف المنهوبة من قبل المركز الإمبريالي، فإنها تقوم من خلال هذا النموذج من العلاقات الاقتصادية بعملية كسر للتبادل اللامتكافئ، الذي هو الشكل الجديد للاستعمار، بمعنى أنها مضطرة بمعنى ما في سياق مواجهتها للمعسكر الغربي إلى اتخاذ شكل آخر من أشكال العلاقات الاقتصادية... شكل جديد لا يكون فيه طرف مهيمن على طرف، بل تكون العلاقة قائمة على أساس المنفعة المشتركة.
التيار يسير مع الشرق
هذا التحدي الكبير الذي تقوم به الصين في وجه القوى الإمبريالية ليس نابعاً عن إرادة ذاتية فحسب، بل له عوامله الموضوعية المساعدة. فالتغير في موازين القوى الدولية والذي أدى إلى تراجع في المركز الإمبريالي أدى بالضرورة إلى تراجع في أدوات هيمنته، والتي يعد التبادل اللامتكافئ أهمها. وهذا ما شكلّ ثُغرة عالمية في إفريقيا؛ كونها عاشت عقوداً طويلة في ظل الهيمنة الغربية.
وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقد كانت الصين المرشّح الأول لسدّ هذا الفراغ، على اعتبار أنها من أهم الدول الصاعدة ولا سيّما بالمعنى الاقتصادي، فنموذج العلاقات الاقتصادية التي تقوم بها الصين لم يعد يقتصر على علاقة بينها وبين بلد آخر، بل امتد ليشمل علاقة مع قارة بأكملها، جميع بلدانها تصنّف كدول أطراف منهوبة، استطاعت في ظل هذه التغيرات الدولية أن تشكّل حالة تمرّد اقتصادي كبير اتجاه ما عانته طويلاً من ظلم وهيمنة قوى المال الغربي.

آخر تعديل على الإثنين, 10 أيلول/سبتمبر 2018 14:06