عقوبات على إيران؟ أم على الأمريكي؟
جزء جديد من مسلسل العقوبات الأمريكية على إيران بدأ عرضه في السادس من شهر آب الجاري. وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني في السادس من أيار هذا العام.
أجمعت معظم الدول في العالم على رفضها لهذه العقوبات، لما ستحدثه من فوضى وزيادة في عدم الاستقرار في المنطقة وفي العالم أيضاً، فما هي هذه العقوبات؟ وما تبعاتها؟ وماذا تخبئ لنا الحلقات القادمة من هذا المسلسل؟
ماهي العقوبات؟
شملت الحزمة الأولى مجموعة من العقوبات هي:
1- حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، إضافة إلى حظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ولاسيما الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات التي تتعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية إيرانية.
2- حظر توريد أو شراء قائمة من المعادن أبرزها: الألومنيوم والحديد والصلب، وفرض قيود على قطاعي صناعة السيارات والسجاد في إيران.
3- فرض قيود على إيران بخصوص استيراد أو تصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.
كما تحظر العقوبات بيع طائرات الركاب وقطع غيارها إلى إيران، ودخول الشركات الأجنبية إلى قطاع السيارات الإيراني.
ومن المنتظر أن تدخل الحزمة الثانية من العقوبات حيز العمل في الخامس من تشرين الثاني، والتي سيكون من بينها: فرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني، وخاصة قطاع النفط، وكذلك فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية.
أثر العقوبات على إيران والشركات الأوروبية
ارتفعت أسعار النفط مباشرة مع بدء سريان أولى حزم العقوبات الأميركية على إيران، مما أجّج المخاوف من أن الحزمة المقبلة من العقوبات التي تستهدف النفط الإيراني، ستؤدي إلى نقص في الإمدادات، كذلك لا يزال الطلب في إيران مرتفعاً على أحدث ما توصلت إليه صناعة التكنولوجيا الأوروبية. ولكن تهديدات ترامب بمعاقبة المتعاملين مع إيران جعلت أعداداً متزايدة من الشركات الأوروبية تحجم عن التعامل التجاري مع طهران، إلّا أن قرار المفوضية الأوروبية بالاستمرار بالتعامل التجاري مع إيران حال دون قطع العلاقات التجارية الإيرانية الأوروبية، رغم الضغوط الأمريكية التي تستهدف ذلك. وتعدُّ العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيراني إحدى أهم العقوبات وأقساها، فهذا يعني أنّ قطاع النفط سيشهد انخفاضًا بنسبة 20% أو ما يصل إلى نصف مليون برميل يومياً.
أمريكا vs العالم
المتضرر الأكبر من العقوبات على إيران هو الاتحاد الأوروبي والدول الملتزمة بالاتفاق النووي الإيراني.
حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي: «لا شك في أن تصرفات الإدارة الأمريكية ستسفر عن تداعيات سلبية طويلة الأمد بالنسبة للنظام العالمي»، وشددت زاخاروفا مع ذلك على أن «روسيا لا تزال متمسكة بخطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة ببرنامج إيران النووي».
وفي بيان مشترك وقعه وزراء خارجية كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: «نأسف لإعادة فرض العقوبات الأمريكية».
ردود الأفعال هذه ولاسيّما تلك القادمة من الاتحاد الأوروبي– الحليف التقليدي للولايات المتحدة- تؤكد واقع العزلة الأمريكية المتزايدة، وحالة التمرد العالمية التي تحصل ضد الهيمنة الأمريكية.
أوروبا تتدرع بـ«قانون التعطيل»
حرصاً منها على تخفيف الآثار السلبية إلى الحدود الدنيا لجأت المفوضية الأوروبية إلى تفعيل ما يسمى بـ«قانون التعطيل» الذي أقرّ عام 1996 للالتفاف على العقوبات الأمريكية على كل من كوبا وليبيا وإيران. فهذا القانون يحظر على المؤسسات الأوروبية الامتثال للعقوبات الأميركية، تحت طائلة التعرض لعقوبات يحددها كل بلد عضو، كما يسمح لهذه المؤسسات بالحصول على تعويضات لأي ضرر ينجم عن هذه العقوبات. وبالتالي يستطيع الأوروبيون من خلاله الحد من تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية التي تريد الاستثمار في إيران، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق.
الذبذبة الأمريكية
قرار الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات جديدة جاء بعد أقل من شهر على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استعداد واشنطن لعقد ما وصفه بـ «صفقة حقيقية» حول برنامج إيران النووي، ما وصفه البعض بـ«تكويعة» أمريكية على مستوى العلاقات مع إيران.
هذا التذبذب الأمريكي حول الموقف من إيران يأتي في سياق حالة التردد الأمريكي عموماً في مجمل القضايا حول العالم، ويعكس حجم تعمق الانقسام داخل الإدارة الأمريكية، التي تعيش في طور تراجع متسارع.
أمريكا تتراجع ...
فكيف تفرض العقوبات؟
هو سؤال مشروع لمن يجتزئ الأحداث ويقتطعها من سياقها التاريخي ولكن بتوسيع دائرة الرؤية يتبين: أن ما تحاول أمريكا فعله هو رش قنابل دخانية في المناطق التي اضطرت فيها للانسحاب، وذلك من أجل هدفين اثنين، الأول: هو التغطية على هذا الانسحاب بحيث لا يظهرها بموقف ضعيف، والثاني هو: ترك أكثر من نقطة عالقة قابلة للاشتعال وزيادة التوتير في المنطقة مما يضمن لها تراجع منتظم.
فكما هددت أمريكا بضربات على سورية، ونفذت وعودها بشكل يحفظ ماء الوجه ليس إلّا، ها هي الآن تحاول تنفيذ وعودها فيما يخص الشأن الإيراني.
إيران بعد العقوبات
مسلسل العقوبات على إيران قديمٌ جديد، فمنذ حوالي أربعة عقود وإيران تواجه سيلاً من العقوبات الاقتصادية عليها، فبعد الثورة الإسلامية جمدت واشنطن حوالي 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية، وفي عام 1984 منعت واشنطن بيع الأسلحة لإيران ومن إعطائها قروضاً مالية، وأقرّ الكونغرس الأمريكي عام 1996 ما عرف بـ «قانون العقوبات الأمريكية»، وفي عام 2005 أعلنت إيران التعليق الطوعي لتخصيب اليورانيوم لتقوم واشنطن بتجميد أصول الأفراد والشركات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
وبحسب محللين سياسيين واقتصاديين، فإنّ هذا التاريخ العريق من العقوبات التي تعرضت لها إيران، أثبت بالتجربة بأنه غير قادر على إخضاع إيران للهيمنة الأمريكية، وجلّ ما استطاعت هذه العقوبات تحقيقه هو حصار إيران اقتصادياً، إلّا أنّ الهدف المراد من هذه العقوبات هو أكبر من ذلك، فالعقوبات لا تستهدف إيران فحسب، بل تستهدف جملة العلاقات الدولية القائمة وخصوصاً تلك المتنامية بين إيران والدول الصاعدة كروسيا والصين، ودول الاتحاد الأوروبي الذي بات يصرح بشكل علني وصريح عن استعداده للتخلي عن الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل بقاء العلاقات الاقتصادية مع إيران ودول البريكس، مما يعني: المزيد والمزيد من العزلة الأمريكية.