الرمال السعودية المتحركة
يجمع كل المتابعين للشأن السعودي، أن المملكة تمر بمرحلة حساسة، تنطوي على احتمالات شتى، لكن بكل تأكيد أن هذه الدولة بنموذجها الخاص والدور التقليدي الذي كانت تقوم به، قد انتهت.
كثيرة هي المؤشرات التي تؤكد هذه الحقيقة، وأبرزها على الإطلاق، هي: حالة الانقسام التي تتضح يوماً بعد يوم، وتتسع في بنية «مملكة النفط» بمؤسساتها الثلاث الأساسية، التي تشكل أعمدة الدولة السعودية، وهي: العائلة المالكة، والمؤسسة الدينية، والمؤسسة العسكرية، وجاءت القرارات الملكية يوم أمس بإقالة عدد كبير من كبار الضباط في المؤسسة العسكرية، استكمالاً لذلك الصدع الذي تعاني منه المملكة منذ سنوات، حيث كان قد سبق ذلك إعفاء وطرد واعتقال عدد كبير من رجالات المؤسسة الدينية، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد غير قليل من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين.
حالة الاقتصاد
يواجه الاقتصاد السعودي، أكبر مُصدر للنفط في العالم، مجموعة أزمات خلال العام الحالي، بينها عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري في الموازنة، حيث كشفت موازنة 2018، عن أن الإنفاق العسكري والأمني يلتهم ما يقارب ثلث الموازنة بعد استحواذه على 83 مليار دولار، من إجمالي الموازنة المقدرة بنحو 261 مليار دولار.
ومن أبرز تحديات الاقتصاد السعودي تحقيق معدل نمو بعد الانكماش الذي حصل خلال عام 2017 تزامناً مع تراجع أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس في البلاد، قياساً مع الأعوام التي سبقتها.
وكانت السعودية، قد أعلنت عن أضخم موازنة في تاريخها لعام 2018 بإجمالي نفقات تبلغ 978 مليار ريال (260,8 مليار دولار)، ولكن بعجز 195 مليار ريال (52 مليار دولار)، وإيرادات قيمتها 783 مليار ريال (208,8 مليارات دولار).
وقفز الدين العام للمملكة بنسبة 38% خلال العام الجاري، إلى 438 مليار ريال (116,8 مليار دولار)، مقابل 316,5 مليار ريال (84,4 مليار دولار) بنهاية العام الماضي، ويشكل الدين السعودي 17% من الناتج المحلي في 2017، فيما كان 13,1% في 2016.
في حين كان هذا الدين نحو 11,8 مليار دولار، في نهاية 2014، وفق بيانات وزارة المالية السعودية. وكان عبارة عن ديون محلية تعادل 1,6% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.
ثقب التبعية الأسود
هذه المؤشرات عن واقع الاقتصاد السعودي، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار في المؤسسات الثلاث آنفة الذكر، في دولة كالسعودية، تشكل مؤشراً هاماً على وضع الاقتصادات التابعة، في ظل الأزمة الرأسمالية العالمية، فرغم الريع النفطي الهائل، تعاني المملكة من جملة هذه الأزمات، وهي في طريقها إلى التعمق، رغم الاستقرار النسبي في أسواق النفط منذ أشهر، فالإتاوات التي يفرضها الحليف الغربي المأزوم على المملكة، سواء كانت عبر الابتزاز المباشر، والتحكم بالبترودولار السعودي، والأرصدة والودائع بقيمها الفلكية في البنوك الغربية، أو عبر توريط السعودية بالحروب العبثية كما هو الوضع في اليمن، والتدخل في سورية، ورفع منسوب التوتر مع إيران، والخلاف المفتعل مع قطر، وصفقات السلاح غير المبررة التي تعقدها السعودية مع الدول الغربية في ظل التوتر الإقليمي، يقود المملكة إلى الإفلاس، ليؤكد من جديد على أن التبعية بمثابة الثقب الأسود الذي يشفط كل الثروة المتراكمة عبر التاريخ.
السعودية في الميزان الأمريكي
تنبع أهمية السعودية بالنسبة لقوى رأس المال المالي، في العقود الأربعة الأخيرة، من أنها كانت تغطي الثروة الورقية الأمريكية الوهمية، بعد أن أصبح تسعير النفط بالدولار شرطاً وحيداً لبقاء الدولار على عرش سوق النقد الدولية، باعتبار أنها أكبر مصدّر للنفط، وإذا كانت الولايات المتحدة قد وصلت إلى حد احتمال التفريط بهذا الدور التقليدي للمملكة السعودية، فإن الواقع السعودي لا يكشف مأزق نظام التبعية فقط، بل يكشف أيضاً حجم المأزق الأمريكي نفسه، ومحدودية الخيارات أمام واشنطن.