أزمة ليبيا... بداية النهاية؟
عُقد في باريس يوم الثلاثاء بتاريخ 29 أيار اجتماع ضم مختلف الفصائل الليبية، واتفقت الأطراف جميعها على المشاركة في عمل سياسي يمهد الطريق لإجراء انتخابات في كانون الأول نهاية العام الحالي، وذلك تحت رعاية الأمم المتحدة.
جاء اتفاق باريس الأخير بعد مسلسلٍ من العراك العسكري والسياسي، دام سبع سنوات، وأثقل كاهل البلاد والعباد؛ فقد شهدت ليبيا حالة من الانقسامات والفوضى إثر تدخل حلف شمال الأطلسي عام 2011، وذلك بعد أن هبّت موجة من الحراكات الشعبية في مناطق مختلفة من البلاد.
حلول الأمر الواقع
هذا الاتفاق الذي حدث بعد شدّ وجذب ومحاولات عرقلة كثيرة للعديد من الاتفاقات السابقة، قد يكون محاولة جيدة لكسر الاستعصاء الحاصل في طريق حلحلة الأزمة الليبية. حيث إنّ جزءاً كبيراً من محاولات العرقلة كان نتاج خلافات سياسية بين فصائل عسكرية مسلحة تعمل لصالح قوى سياسية متضادة في الشكل، إلا أنها في المضمون متفقة على عدم الحل. ولكن الواقع الدولي الناشئ، والذي يفرض سياسة إطفاء الحرائق وحل الأزمات سياسياً، بات يفرض نفسه بقوة على المشهد الليبي أيضاً.
فقد أوضح عادل كرموس، عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أنّ: «كافة التشكيلات على الأرض لديها رغبة في إجراء الانتخابات عدا تنظيم «داعش» الإرهابي، وأن كل تشكيل يمكن أن يقوم بحماية العملية الانتخابية في المساحة التابعة له».
بالإضافة إلى اتفاق إجراء انتخابات وطنية، فإنّ الاجتماع الذي شاركت فيه الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن، إلى جانب إيطاليا وتركيا والإمارات وقطر والدول المجاورة لليبيا، والذي جرى بحضور خليفة حفتر؛ القائد العسكري لشرق ليبيا، ورئيس الوزراء الليبي فايز السراج، ورئيسا برلمانين متنافسين، قد أفضى إلى اتفاق الأطراف على المشاركة في مؤتمر سياسي شامل، لكن دون وضع جدول زمني محدد.
ضرورات استكمال الحل
لقد دعا إعلان سياسي مشترك أصدره القادة الليبيون_ ولكن لم يتم التوقيع عليه_ إلى السعي فوراً إلى توحيد البنك المركزي الليبي وإلغاء الحكومة والمؤسسات الموازية تدريجياً، وتضمن التأكيد على الالتزام بدعم المساعي التي تبذلها الأمم المتحدة لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية محترفة موحدة وخاضعة لمبدأ المحاسبة، فضلاً عن تشجيع الحوار الذي تستضيفه العاصمة المصرية القاهرة بهذا الصدد.
ليس واضحاً بعد ما إذا كانت الأطراف المختلفة ستلتزم بهذا الاتفاق أم لا، ولكن اجتماع القادة الليبيين مع بعضهم لأول مرة، وبحضور الأمم المتحدة، وفي ظرف دولي مساعد، لابد وأن يكون خطوة جيدة باتجاه الخلاص من حالة التقسيم والفوضى السائدة في ليبيا، أي: باتجاه إعادة توحيد البلاد والانتهاء من حالة الصراع المستمر.
لكن الواضح هنا، أن الدول الكبرى، التي كان لها دور رئيس في خلق الأزمة الليبية وتأزيمها، تنعطف اليوم للدفع اتجاه الحل السياسي والتوافق، وهذا نتيجة للأمر الواقع، ومنطق السلم الذي يفرضه التوازن الدولي الجديد. لكن يبقى من المبكر الحسم بأن الاتفاق الأخير المرعي فرنسياً قد يقود إلى الحل الناجز، حيث إن سلوك مثل هذه القوى تاريخياً، قد يحمل إمكانية تلغيم الحل بمقومات الانفجار اللاحق، بما يضمن لها شكل من أشكال النفوذ، لكن يبقى الضامن لعدم حدوث مثل هذا السيناريو، هم الليبيون أنفسهم، من خلال تحصين الحل، بقطع الطريق أمام التواجد الأجنبي، وإعادة رسم خريطة العلاقات الخارجية، وتعميقها مع تلك الأطراف التي تدعم الحل جدياً، بالإضافة إلى تحصين الداخل من خلال دور قوي لمؤسسات الدولة، ترعى حقوق الشعب، بعيداً عن أي شكل من أشكال التحاصصات والانقسامات.
فلاش: اجتماع القادة الليبيين مع بعضهم لأول مرة وبحضور الأمم المتحدة وفي ظرف دولي مساعد لابد وأن يكون خطوة جيدة باتجاه الخلاص