الانتصار البوليفاري الجديد .. مازال هشاً
جود محمد جود محمد

الانتصار البوليفاري الجديد .. مازال هشاً

جرت في الـ20 من أيار الجاري انتخابات رئاسية في فنزويلا البوليفارية، أسفرت عن حصول مادورو على ولاية رئاسية ثانية، ليبدأ زعيق ميديا الدولار والديمقراطيات الكرتونية الغربية معتبرةً الانتخابات المذكورة غير شرعية.
حصل مادورو على نسبة 68% من أصوات الناخبين، فيما حصل أقرب منافسيه هنري فالكون على 21% فقط، بنسبة إقبال لم تتجاوز الـ50% والتي تعتبر منخفضة جداً، نظراً لمقاطعة المعارضة لهذه الانتخابات، حيث كانت نسبة الإقبال في الانتخابات السابقة قد بلغت 78% وهي التي حصل فيها مادورو على نسبة 50% فيما حصل منافسه الأقرب حين ذاك ومرشح المعارضة كابريليس على 49%.

مواقف دولية
في ردود الأفعال، أعلنت كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك وإسبانيا وعدة دول في أمريكا اللاتينية على رأسها البرازيل والأرجنتين عدم شرعية الانتخابات الأخيرة، وقامت باستدعاء سفرائها للتشاور حيث صرحوا بأنها، أي: الانتخابات، لم تكن «شفافة» و«ديمقراطية»، وفيها الكثير من «النواقص» و«العيوب» مما أدى إلى استمرارية قيادة تيار مادورو بما يمثله للبلاد في ولاية ثانية، بينما بالمقابل أكدت روسيا أن الانتخابات هي الطريق السليم لحل المشاكل الداخلية في البلاد، وينبغي الاعتراف بنتائجها دون الإتيان على ذكر فيما إذا كانت الانتخابات تمت بشكل سليم أم لا.
بناءً على ما ذكر آنفاً، يمكن تقسيم المواقف الدولية من الانتخابات الفنزويلية في ثلاثة أصناف، هي:
أولاً: مواقف القوى الغربية والسائرين في فلكها، والتي عادةً تستعدي كل جهاز دولة في أي بلد كان، يدفع الأمور باتجاه استقلالية هذه البلاد عن التكتلات الاقتصادية العابرة للقارات، وهو النهج الذي بدأه تشافيز واستكمله مادورو، والقائم باختصار على استقلال القطاع النفطي الفنزويلي عن الاحتكارات الدولية، مع المضي نحو خفض الاعتماد على النفط كلياً، وتنويع الاقتصاد.
ثانياً: الموقف الروسي الصيني القائم على احترام انتخابات تلك البلدان، وإن كانت تشوبها العيوب والنواقص، حيث أن أفضل طريقة يمكن اتباعها لدفع الشعوب نحو حل مشاكلها تكمن في تركها تتطور في سياقها الموضوعي، وبتجربتها الذاتية، دون اللجوء إلى محاولات التحكم المباشر أو الدعم والمساعدة المشوهة، والتي عادةً تُغيّب الذخيرة الحية لتلك الشعوب التي يجب أن تكون المرجع الأول والأخير.
ثالثاً: مواقف بعض الدول الأقل وزناً والطرفية ضمن المنظومة الرأسمالية، والتي عادةً ما تأخذ شكلاً وسطياً متغيراً، مع العلم أن هذا السلوك في العلاقات الدولية تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة، نظراً لحالة الانقسام الحاد بين القوى الدولية، الأمر الذي لم يعد يقبل أنصاف الحلول والعبارات الدبلوماسية الهشة.
في تقييم الانتخابات
من غير الممكن إجراء تقييم دقيق للانتخابات التي جرت في فنزويلا، والجزم بأنها تمت بشكل ديمقراطي تماماً أم لا، كما أن نتائجها تحتاج إلى بعض الوقت لتتبلور، كذلك لتتمظهر درجة انعكاسها لتوجهات الشعب في فنزويلا، آخذين بعين الاعتبار التدخلات الخارجية المضرة والضغوطات الغربية، إلا أنه وفي العام، يمكن التأكيد على جملة من الأمور والقضايا:
أولاً: إن مفهوم النزاهة والديمقراطية التي تطالب بها «الديمقراطيات» الغربية يعني حتماً وصول قوى الى السلطة تأتمر بأوامر واشنطن، وتذعن لتوجهاتها الاقتصادية.،
إن قوانين الانتخابات الغربية هي قوانين تنتج برلماناً للبزنس، ورئيساً للبزنس، إذا يستحيل أن يتمكن رئيس من تمويل حملة انتخابية على طول البلاد وعرضها في بلدان بمساحة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكندا دون الحصول على منح لا تكون كرمى سواد العيون وزرقها، وإن تمكن أحدهم من تمويل نفسه كما يقال عن ترامب، فإن القوانين تمنع تسقيف المصاريف الشخصية على الحملات الانتخابية.
هكذا ديمقراطيات لا تناسب الفقراء الذين يدافع عنهم تيار تشافيز ومادورو، وهذه النقطة هي مربط الفرس في الخلاف حول الانتخابات مع العالم الغربي بالنسبة لمادورو.
ثانياً: إن عدم مشاركة المعارضة في فنزويلا في الانتخابات الرئاسية لم يأتِ إلا نتيجة عدم قدرة الشرائح المعارضة على بلورة اتفاق سياسي خاص بها، بالتالي عدم الاتفاق على شخص يمثّل تلك التيارات المعارضة مما دفعها لعدم تقديمها مرشحاً متفقاً عليه، لكنها تركت باب الترشيح مفتوحاً حيث قدم المرشح المدعو هنري فالكون العسكري السابق المنشق عن تيار تشافيز نفسه كمنافس لمادورو.
هذا التراجع هو بدوره انعكاس للتراجع الأمريكي الذي على ما يبدو أن «الباركنسون» السياسي الذي تعاني منه أمريكا بدأ يستفحل في أمريكا اللاتينية أيضاً، ففي النهاية مادورو وصل إلى الحكم.
ثالثاً: إنه لمن الخطأ اعتبار أن الانتخابات كانت على أحسن وجه، ولم تخل من الأخطاء والنواقص والشوائب الجدية، وبالدرجة الاولى العزوف عن المشاركة، والتي تعود لعدة عوامل تتمثل الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد، ومستويات الفساد التي تعاني منها، ولكن أياً يكن تبقى نتيجة الانتخابات شأن داخلي.
استهدافات خارجية وضرورات داخلية
إن مادورو سيستمر لفترة رئاسية ثانية، على عكس ما تريده واشنطن وأتباعها، ولكن ذلك لا يعني أن نجزم بانتصار القوى الوطنية والثورية في فنزويلا، فسيناريو البرازيل والأرجنتين ما زال حاضراً بقوة، والشارع الفنزولي مازال منقسماً، وعلى القوى الحاكمة في فنزويلا التوجه نحو التصالح مع الشريحة التي تمثل أكبر قدر ممكن من الجماهير، بتحسين الوضع الاقتصادي الاجتماعي العام للبلاد، وذلك غير ممكن إلا عن طريق حسم التوجه الاقتصادي بتصفية قوى الفساد الحكومي وخفض الاعتماد على النفط، بالتالي الاعتماد بأكبر قدر ممكن على إمكانات البلاد الداخلية بغية تأريض مفعول العقوبات الخارجية.