هل انتهت الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟

هل انتهت الحرب التجارية بين أمريكا والصين؟

استمراراً للسلوك الأمريكي المتخبط، وبعد أن شنت واشنطن هجوماً تجارياً على الصين أخذ عنوان الحرب، تمكن البلدان من إصدار بيان مشترك يوم السبت 19 أيار الجاري، تم التأكيد فيه على رغبة كلا الطرفين في العمل على تجنب الحرب التجارية، الأمر الذي هدّأ من صخب تلك الحرب، التي تعالى الحديث عنها في الفترة الأخيرة.

 

التوافق تضمن موافقة بكين على زيادة حجم البضائع الأمريكية المستوردة، والموافقة على مبدأ خفض العجز التجاري، ولكن دون أن تلتزم بأي رقم خلافاً لما أراده ترامب الذي طالب بخفض عجز بلاده التجاري مع الصين بنحو 200 مليار دولار.
ولم يتطلب الوصول إلى التوافق الكثير من الوقت، وإنما جولتين فقط من المفاوضات، بدأت بزيارة الوفد التجاري الممثل لإدارة ترامب إلى الصين من 3 إلى 4 أيار الجاري، ومن ثم زيارة الوفد التجاري الصيني إلى الولايات المتحدة بعد أسبوعين.
حجم تجارة كبير وضرر للطرفين
يشير يو شيانغ، وهو مدير مكتب البحوث الاقتصادية الأمريكية في المعهد الصيني لدراسات العلاقات الدولية المعاصرة، إلى أن التوافق شمل على الأقل النقاط التالية:
أولاً: إن حجم التجارة الثنائية الذي يفوق 600 مليار دولار، يعد رقماً ضخماً جداً لا يمكن أن يبلغه حجم المبادلات التجارية الصينية مع أية دولة أخرى. وقد أدى هذا الترابط القوي إلى جعل توجيه أي طرف قبضته نحو الآخر دون الإضرار بالنفس أمراً غير ممكناً.
ثانياً: لا يمكن للتهديدات التجارية أن تعالج مشاكل الاختلال في التوازن التجاري بين الصين والولايات المتحدة. فقد تبنت الصين سياسة المعاملة بالمثل، إذ بعد أن فرضت أمريكا تعريفات بنسبة 25٪ و10٪ على منتجات الصلب والألمنيوم المستوردة من الصين، أعلنت الصين عن حزمة من التعريفات بـ 15 % و25% على ما قيمته 3 مليارات دولار من عدة منتجات أمريكية مستوردة. وبعد جولات متعاقبة، تم توسيع مجالات الضرائب المتبادلة لتشمل مجالات الطيران وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والروبوتات، والكيماويات وصناعة الطائرات. مع ذلك، لم تتمكن هذه الإجراءات المتبادلة من تغيير واقع الاختلال في الميزان التجاري، بل على العكس، تسببت في تدهور سريع للعلاقات الصينية الأمريكية.
احتمالات التوتر لا تزال قائمة
يقول ترامب: أن هدفه من إعلان الحرب التجارية على الصين هو إعادة الشركات الصناعية إلى الوطن وزيادة التشغيل، لكن الدوافع الاقتصادية الحقيقية من ذلك تكمن في حماية الدولار من الهجوم الصيني عليه بعد اتخاذها إجراءات عدة على هذا الصعيد، وخاصة في سوق تسعير النفط العالمية، لذلك فإن جوهر الخلاف الصيني الأمريكي لا يزال قائماً، وقد يعود للظهور مجدداً بأشكال أخرى.
وفي السياق ذاته يضيف، يو شيانغ: رغم أن الصين والولايات المتحدة استطاعتا عبر المفاوضات تغيير الوضع المتوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين، لكن يبقى من المبكر القول بأن الجانبين قد توصلا إلى معالجة النزاعات التجارية الثنائية. إذ تعد القضايا الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة مشاكل هيكلية، لا يمكن حلّها أثناء جولة أو جولتين من المشاورات. ومع زيادة حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة، من المتوقع أن يتزايد حجم النزاعات بين البلدين، لذا فإن الاحتكاكات التجارية تعد شيئاً متوقعاً.
انقسام أمريكي
من جهة أخرى، هنالك قوى سياسية في واشنطن تبدي معارضتها لموقف البيت الأبيض الأخير اتجاه الصين. فبعد التوصل إلى الاتفاق، دعا زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الرئيس ترامب إلى مواصلة فرض تعريفات مرتفعة على الصين، وعدم التخلي عن العقوبات المفروضة على شركة ««ZTE مقابل الصفقات الصينية. كما صرح السيناتور الجمهوري روبيو قائلا: «لماذا يُخدع المسؤولون الأمريكيون دائماً بالحيل الصينية؟ إذا لم نستيقظ ونفكر في هذا الأمر كشأن يخص الأمن القومي، فإن الصين ستفوز مرة أخرى».
وفي السياق ذاته، أشارت وسائل إعلام أمريكية إلى وجود اختلافات في إدارة ترامب تجاه القضايا الاقتصادية والتجارية المتعلقة بالصين. وفي ظل وجود عوامل عدم الاستقرار هذه، واقتراب موعد الانتخابات النصفية، ستصبح القضايا المتعلقة بالصين محوراً للحماس السياسي والإعلامي في أمريكا. ما يعني بأن الأصوات الأكثر صرامة مع الصين، قد تصعد مجدداً إلى واجهة الأوساط المالية والتجارية.
الأزمة الاقتصادية الأمريكية
إذا لم يحدث تغيير جوهري في هيكل التجارة والاقتصاد الأمريكيين، فإن التخفيضات الضريبية الهائلة وخطط التوسع المالي ستزيد من عجز التجارة الخارجية للولايات المتحدة، وقد يستمرّ العجز التجاري مع الصين كبيراً. ورغم أن التاريخ قد أظهر مراراً وتكراراً بأنه لا يوجد فائز في الحرب التجارية، إلا أنه نظراً لمصالح سياسية واقتصادية، قد يعود ترامب وإدارته مجدداً لقضية العجز التجاري مع الصين لاختلاق الاحتكاكات التجارية. ولا نستبعد أن يقوموا برفع مساومات جديدة في مجال حقوق الملكية الفكرية والسياسات الصناعية، بعد أن ترفع الصين القيود المفروضة على استيراد المنتجات الزراعية وزيادة وارداتها الطاقية والزراعية من الولايات المتحدة. لذلك فإن الصين في حاجة للاستعداد إلى نضالات طويلة الأمد.