ماكرون وحلمه في السفر عبر الزمن
يزن بوظو يزن بوظو

ماكرون وحلمه في السفر عبر الزمن

إذا كان لدى ماكرون حلمٌ بالعودة في الزمن إلى الوراء فيما يتعلق باقتصاد بلاده، فالشعب الفرنسي يطرق بأيديه لإيقاظه.

توالت في الشهور الماضية حركات شعبية فرنسية عدّة ولازالت مستمرة في مختلف أشكالها، من مظاهرات إلى إضرابات عمّال في شركات ومؤسسات مختلفة، وطلّاب جامعات، ومُدرّسين، بتنظيم من النقابات أو بدعوات من تيارات وأحزاب يسارية، تنديداً ببرنامج ماكرون الإصلاحي الذي بدأ تنفيذه، وقد قوبلت هذه الحركات بالكثير من التعتيم والتشويه الإعلامي، إضافة إلى حالات الشغب المفتعلة والاعتقالات من قبل الحكومة الفرنسية.

 «دع الأغنياء يزدادون غنى»
في برنامجه الإصلاحي، يُغلّف ماكرون فحوى أهدافه بشعارات أكثر حرّية مما سبقها، وأكثر انضباطاً، وأكثر جذباً... ولكن ليس للشعب الفرنسي، وإنما لأغنياء فرنسا ورساميلها، بإعادة هيكلة الاقتصاد الفرنسي، ورفع معدّل النمو، أيضاً ليس للدولة والشعب، وإنما للقطاعات الخاصة. فمنها ما مضمونه: فتح باب أوسع للاستثمارات الأجنبية/ تخفيض في نسبة الضرائب على الشركات/ تخفيض في نسبة الميزانية المخصصة للنفقات العامّة/ تحويل الضريبة على الثروة إلى ضريبة على الثروة العقارية، أيّ: استثناء الثروة المالية.. وغيرها. ومنها ما هو فجّ كإلغاء 120 ألف وظيفة في القطاع العام. وما هو مستغرب في هذا السياق كزيادة 15 ألف مكان في السجون – لمن؟ للمُقالين من وظائفهم في حال تمرّدهم؟- ومنها أيضاً ما هو مُتناقض ويدعو للسخرية كنظام لضمان البطالة، تموّله الضرائب، تلك التي خفّض من نسبتها أساساً في أهدافه..؟ وغيرها الكثير.

 «ما اغتنى غنيٌّ إلّا بفقر فقير»
إنّ برنامج ماكرون، هذا في تفصيلاته وعبر تنفيذه، يحاول فتح أبواب كانت قد أغلقت بعد نضال من العمال الفرنسيين في وجه الليبرالية، خلال القرن الماضي، ويحاول سلب جملة من الحقوق التي انتزعوها، ولدى الفرنسيين معرفةً بآثار الوحشية الليبرالية، بخصخصتها لما تبقى من قطاعات عامّة على حياتهم ومعيشتهم، الأمر الذي يعتبر تحدياً صريحاً لهم اليوم، وإذا كان لـ«رئيس الأثرياء» وتياره ومن يمثلون مصالحهم حلمُ بالرجوع إلى الخلف، فالفرنسيون اليوم ينضحون في الشوارع في محاولة لإيقاظهم، ليتحولوا تدريجياً إلى كابوس ماكرون.

 «يا عمّال العالم، إتحدوا!»
من المدرّسين الثانويين، إلى الشركة الوطنية للسكك الحديدية، فموظفي الخطوط الجوية، فالطلاّب، وصولاً لنقابة الاتحاد العام للعمل، والتيارات والأحزاب اليسارية، التي كان أبرزها «فرنسا الأبيّة»، نُظّمت العديد من المظاهرات والإضرابات تنديداً بعدة قرارات قد اتخذت، أهمّ ما توضّح منها كان تمهيد الطريق أمام خصخصة الشركة الوطنية للسكك الحديدية، الأمر الذي أثار مخاوف عمّالها وعمّال شركات أخرى من هذا المرض وانتشاره، وعملوا على الضغط على الحكومة للتراجع عنها، ولكن دون جدوى حتى الآن رغم الأعداد الكبيرة والخسائر المالية التي نتجت عن الإضرابات، الأمر الذي يتطلب من النقابات والأحزاب رفع مستوى التنظيم، وآلية استثمار حجم الضغط سياسياً وفي المفاوضات كمطلبٍ شعبيّ مباشر لأداء دورهم الوظيفي بما يتناسب مع حجم تمثيلهم.
التطورات

والتوازن الدولي الجديد
إنّ التوسع العمودي للرأسمالية عبر أدواتها الليبرالية يبقى ذاته بشكله ومضمونه أينما حلّ وفي أي وقت، ولكن تعزيز هذه الأداة اليوم في المراكز الرأسمالية كالولايات المتحدة «أمريكا أولاً»، وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي، ومؤخراً فرنسا بحكومة ماكرون وبرنامجه، لا يأتي عبثاً، أو رغبةً من هذه المراكز بضغط شعوبها أكثر وتسريع احتجاجاتها، بل فرضاً بعدما باتت الأقطاب الصاعدة تقصّ أيدي الإمبريالية الممتدة دولياً شيئاً فشيئاً، فلم يبقَ أمام القانون الأساسي للرأسمالية في السعي نحو الربح الأقصى في هذه المراكز إلّا بفرض الارتداد إلى مواقعها الجغرافية ورفع مستوى استثمار قوّة عمل شعوبها، تعويضاً عمّا تخسره دولياً عبر نهبها للشعوب الأخرى... الأمر الذي يعني: سلب ما يمتلكه عمّال هذه الدول من امتيازات وحقوق، وتدهور في مستوى معيشتهم أكثر فأكثر، والذي يفرض ارتفاع نسبة الحركات الشعبية، واحتجاجها، وممارسة مختلف أشكال الضغط بشكل أكثر تنظيماً.

لا شيء يخسرونه سوى أغلالهم!
من هذا الواقع الجديد الذي يتشكل على الصعيد الدولي، بما يخلّفه من تغيير في خريطة النهب الرأسمالية عبر تراجع دول المركز لتضغط شعوبها، وصعود دول أطراف لتتحرر شعوبها، يتناسب إلى هذا الحد أو ذاك مستوى وحدّة استغلال العمّال على الصعيد الدولي، وتناقضهم مع قانون رأس المال الأساسي، وبتراجع مُفتَعِلي الصراعات الوهمية وبؤر التوتر حول العالم، تبدأ الاصطفافات الموضوعية في التشكّل طبيعياً ضمن معادلة الصراع الحقيقية: شعوب X رأسمالية. وإن كان لماكرون ومن خلفه، وترامب ومن خلفه، وماي ومن خلفها، وكل من شابههم ثروات ليخسرونها ويحرصون عليها، فـ«ما للعمّال شيءٌ يخسرونه سوى أغلالهم، وأمامهم عالم كامل يربحونه!».