إيران الإقليمية بإطلالة دولية
وصل وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في 5 آذار الجاري، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة كان من أهم أجندتها التحضير لزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، التي إن حدثت فستكون أول زيارة رسمية لرئيس أوروبي إليها، منذ استلام السلطة الحالية للحكم عام 1979.
اللافت وربما المضحك في وسائل إعلام البترودولار، من صحف وفضائيات، استباقها للزيارة، والحكم عليها بالفشل الذريع، حتى قبل حصولها، فوسائل الإعلام المفطومة على السيادة الأمريكية، غير الموجودة حالياً، تتخبط اليوم في عالمٍ بات متعدد الأقطاب.
أجندة سياسية
حسب ما صرح به لودريان نفسه قُبيل الزيارة، فإنّ الأجندة تتضمن ثلاث نقاط رئيسة ينبغي تناولها في إيران، وهي بـ: الاتفاق النووي وبرنامج إيران الصاروخي، ونفوذها الإقليمي، بالإضافة إلى بعض القضايا التقنية والبروتوكولية، كافتتاح معرض متحف اللوفر في طهران.
هنا تجدر الإشارة، إلى أن الأجندة افتقدت نقاش قضايا اقتصادية جديّة، أو صفقة ما ذات قيمة كبيرة، مما يوحي أن الزيارة طابعها سياسي بحت، ومما يؤكد ذلك هي الشخصيات التي سيقابلها لودريان، والتي تتمثّل برئيس الجمهورية، ووزير الخارجية، ورئيس مجلس الشورى، وأدميرالات مختصين بالشؤون العسكرية والاستراتيجية.
تخبّط إعلامي
يمكن تقسيم التناول الإعلامي للزيارة إلى طريقتين في التعامل:
طريقة متأنية ومتريثة نسبياً تشمل وسائل إعلام أوروبية وأمريكية «عقلانية» والتي تعتبر أن حكوماتها مستفيدة عملياً من تحسين العلاقة مع طهران، لاعتبارات اقتصادية وجيوسياسية.
بالإضافة إلى طريقة أخرى اتبعتها وسائل إعلام خليجية وأمريكية متشددة، تمثّلت بالحكم المسبق على الزيارة بالفشل نظراً لـ«تشدد» طهران حسب وسائل الإعلام هذه، وترى أن العقوبات هي الطريقة الوحيدة التي تفهمها إيران.
لكن وبقليل من التأني وصرف النظر عن إعلام البترودولار، يمكن الانتباه إلى أنّ تصريحات، لودريان، لم تكن متشددة كما هي مُصوَرة إعلامياً، بالإضافة إلى أنّه لم يحدد ماذا يعني بمناقشة الاتفاق النووي، ولكنه أكد على وجوب المحافظة عليه، ولم يحدد أي موقف واضح وحاسم وصريح اتجاه الصواريخ الإيرانية، ونفوذ طهران الإقليمي، سوى بإبداء بعض القلق الدبلوماسي، ما يعني أن كل شيء قابل للتفاوض، إن لم نقل أن الفرنسيين ربما يعتبرون هذه القضايا حقاً طبيعياً لإيران في منطقة مشتعلة نسبياً.
واقع جديد
إن لم يكن من الممكن الحكم على الزيارة بالنجاح أو الفشل، فمن الممكن هنا التأكيد على جملة المسائل التالية:
أولاً: فرنسا هي بارامتر أوروبا السياسي، على الأقل من الناحية الإعلامية، أي :أن ما تقول به فرنسا يمكن اعتباره توجهاً عاماً للقارة العجوز كلها، والقول بإمكانية حدوث زيارة ماكرون، يعني أن أوروبا كلها ستنفتح على إيران.
ثانياً: إيران دولة ذات إمكانات اقتصادية، حيث يبلغ تعدادها السكاني حوالي 80 مليون نسمة، بكفاءات عالية نسبياً على الصعيد الإقليمي، متوزعين على مساحة تقارب 1,6 مليون كم مربع، حوالي 20% منها صالحة للزراعة، أنتجوا حوالي 800 مليار دولار في عام 2011، تحت ضغط العقوبات، فيما يتراوح دخل الفرد الواحد بين 4000 إلى 10000 دولار سنوياً، وهي رابع أكبر منتج للغاز عالمياً.
أي: أن دولة بهذه المواصفات تُعتبر سوقاً جذابة لأية جهة تبحث عن استثمارات جديّة.
ثالثاً: للولايات المتحدة أسباب كثيرة تدفعها للاشتباك مع إيران، أهمها :أن إيران ستصبح دولة نووية، أي: أنها ستصبح مستقلة نسبياً في مسألة اعتمادها على البترول المُحتكر أمريكياً لتوليد الطاقة، مما يعني فتح الأفق واسعاً أمام التطور الصناعي والتكنولوجي، الأمر الذي لا يبدو أنّه مشكلة بالنسبة لأوروبا لأنها بالأساس ليست في موقع المُحتكر الذي يمكنّها من مقارعة الولايات المتحدة.
رابعاً: لا يمكن اعتبار من يظن أنّ الصواريخ الإيرانية تهدد أوروبا إلّا أنه مستفيد من هذه النكتة، وبالتالي يبرر لنفسه تواجداً عسكرياً في مناطق تستوجبها هذه النكتة، أو جاهل لا يفقه من الأمور إلا ما تستفرغه وسائل إعلام البترودولار، من دماء ضحايا ونحيب أمهات، لقد ولَّى الزمن الذي كانت فيه الدول تجتاح بعضها البعض، فالتوازنات الدولية الحالية هي حالة فريدة من نوعها، ولا تسمح بهكذا حماقات.
إن النتيجة التي نتوصل إليها، بناءً على ما سبق، هي: أن أوروبا لا تريد إيران قوية ومستقلة، ولكن الأمر خرج عن إرادتها، فالتوازنات الدولية والإقليمية الحالية لا تسمح بغير ذلك، وبالتالي هي مضطرة للتعامل معها كقوة مستقلة إقليمية ذات إطلالة دولية، وسوقها مغرية جداً وواعدة، مقارنةً بمحيطها، وبالتالي يكون الخيار الأمثل، هو: التعامل معها على هذا الأساس، كما أن التمسك الأوروبي بالاتفاق النووي ومد الجسور سياسياً واقتصادياً مع طهران، خلافاً للإرادة الأمريكية، هو تعبير عن الخلاف الأمريكي الأوروبي الذي يتعمق يوماً بعد يوم، مع تعمق التراجع الأمريكي، الأمر الذي تدركه أوروبا، التي تحاول البحث عن حبال للنجاة بعيداً عن المركب الأمريكي الغارق.