منطق التفاهمات يتصدّر المشهد الكوري!
تجري الأمور خلال الأيام الأخيرة، بما لا تشتهي السفن الأمريكية، في شبه الجزيرة الكورية، وذلك بعد خطاب أدلى به كيم جونغ أون، زعيم كوريا الديمقراطية، بمناسبة العام الجديد، قال فيه إنه «منفتح على الحوار» مع سيئول ومستعد لبحث مشاركة الرياضيين الكوريين الديمقراطيين في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، مع تمسكه بالطموح النووي لبلاده.
لاقت تلك التصريحات ترحيباً من رئيس كوريا الجنوبية مون جيه_إن، قائلاً: «إننا نرحب ونعتبر ذلك استجابة لاقتراحنا بالاستفادة من الألعاب الأولمبية في بيونغ تشانغ كفرصة جيدة للسلام، ولتحسين العلاقات بين الجنوب والشمال»، إلّا أنه اشترط تسوية القضية النووية لتحسين علاقات البلدين.
الحل السياسي يسود
وفي تطور إيجابي تبع تلك التصريحات المتبادلة، اقترحت سيئول إجراء مفاوضات على مستوى رفيع مع بيونغ يانغ في التاسع من كانون الثاني الجاري، على لسان وزير إعادة التوحيد الكوري الجنوبي شو ميونغ غيون، الذي أعلن، أثناء مؤتمر صحفي، أن سيئول كرّرت استعدادها لإطلاق مفاوضات مع بيونغ يانغ «في أية لحظة ومكان وبأية صيغة». الأمر الذي قابله إصدار رئيس كوريا الديمقراطية أمراً بإعادة فتح الخط الساخن مع كوريا الجنوبية بداية لإجراء محادثات.
حيث أجرت الكوريتان الأربعاء 3 كانون الثاني أول اتصال عبر الخط الساخن فور إعادة إطلاقه بعد عامين من توقفه، تناول المسائل الفنية المتعلقة بالاتصالات بين الجانبين.
تأتي هذه التطورات الإيجابية على طريق حل الخلافات بين الكوريتين بالحوار والتفاهم، لتعزز منطق الحلول السياسية سواء في شبه الجزيرة الكورية أو في أية بقعة متوترة من العالم، وهو التوجه الذي يسود اليوم مع وجود قوى عالمية كبرى، تتبناه وتدفع باتجاهه، حيث كانت كلٌ من روسيا والصين قد أكدتا عدة مرات سابقاً ألاّ حل عسكرياً في شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يخالف الإرادة الأمريكية التي سعت من خلال التصريحات السياسية أو المناورات العسكرية إلى تصعيد التوتر في المنطقة.
الرضوخ الأمريكي
واشنطن، التي لم يعجبها الأمر، حاولت عرقلة مسعى تقارب الكوريتين حتى قبل أن يبدأ، من خلال تشكيكها بحسن نوايا رئيس كوريا الديمقراطية للتصالح مع جارته الجنوبية، حيث أعلنت هيذر ناورت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مؤتمر صحفي: أن الولايات المتحدة مرتابة من المحادثات المحتملة بين سيئول وبيونغ يانغ، وأعربت عن اعتقادها بأن الرئيس كيم جونغ_أون يحاول «دق إسفين» بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
لكن هذا الموقف الأمريكي المعتاد بالمكابرة وزرع الفتن لم يدم طويلاً، قبل أن يعلن الرئيس ترامب، راضخاً للأمر الواقع، استعداده لحوار مباشر مع زعيم كوريا الديمقراطية، وبدون شروط، قائلاً في كلمة ألقاها خلال اجتماعه مع أعضاء حكومته وقادة الكونغرس الجمهوري: «أدعم الحوار بين الكوريتين الجنوبية والشمالية».. «أنا لا أستبعد أن تنضم الولايات المتحدة إلى الحوار في وقت لاحق». مضيفاً: «الآن يتحدثون عن الألعاب الأولمبية وهذه بداية وبداية عظيمة».. «إذا وصلت مفاوضاتهم إلى شيء ما، فستكون البشرية على ما يرام».
يبدو أن البشرية ستكون على ما يرام فعلاً، طالما أن التوازنات الجديدة اليوم تفرض منطقاً جديداً لحل النزاعات عالمياً، وذلك بعيداً عن مشروع الفوضى الأمريكي وخارج إرادته.