النظام العالمي النيوليبرالي يحزم آخر حقائبه!
كتب فيدريكو بيراتشيني في صحيفة مؤسسة «Strategic culture» مقالاً يحلل فيه وضع النظام النيوليبرالي المأزوم في العالم، ويتبيّن من خلال الأحداث الدائرة في شرق المتوسط، عدم قدرة هذا النظام على الاستمرار، مع صعود قوى جديدة لها وزنها في الساحة الدوليّة.
يقول بيراتشيني: «يمرّ النظام النيوليبرالي العالمي بأزمة مستمرة منذ عدّة أعوام إلى الآن، حيث لا إشارات تدلّ على تعافيه. وانتصار ترامب هو تعبير عن الهوّة بين الشعب الأمريكي وبين النخبة. إنّ الوضع في الشرق الأوسط يبدو مثل عاصفة مهلكة. فالأحداث تبدو وكأنّها تتوالى أكثر فأكثر لتقود إلى ناحية تغيير تاريخي في توازن القوى الحساس».
العزلة الأمريكية
يشرح المقال، كيف أنّ نجاح مكافحة الإرهاب في سورية والعراق، والتنسيق الروسي الإيراني، والاتفاقات بين روسيا ومصر، تطلّ برأسها مثل واقعة لا تردّ بالنسبة للأميركيين. وتبدو تركيا التي لطالما استخدمت حركة «الإخوان المسلمين» لزعزعة الاستقرار في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، ولتنفيذ سياسات الحليفة التاريخيّة لها، الولايات المتحدة، وهي تتلمّس طريقها متجهة ناحية طاولة موسكو وبكين وطهران المتعددة الأقطاب. ولم يكن موقف الولايات المتحدة الذي يحاول البحث له عن موطئ قدم عبر التعاون مع قوّات «سورية الديمقراطيّة» الكرديّة إلّا مقص، بتر الخيط الأخير الذي يمنع تركيا من التحوّل.
ويشرح بيراتشيني: أنّ تركيا مجرّد مثال على ميزان القوى الدقيق الذي ينشأ في المنطقة، حيث حلفاء أمريكا يتحينون الفرص ليبتعدوا عنها: فالسعوديون، بعد قيام بن سلمان باعتقال حلفاء النظام النيوليبرالي لديه جميعهم ومصادرة أموالهم، وقيام ترامب، راضياً أو مجبراً، بمنحه الضوء الأخضر على ذلك، عقد صفقة مع الروس لشراء أنظمة إس400 وبعد إنهاء الدور السعودي في سورية، وعجزهم حتّى عن إجبار تابعهم الحريري على الاستقالة، وغرقهم في مستنقع اليمن، يتخبط السعوديون وقد أنهكهم انخفاض أسعار النفط.
وحتّى الكيان الصهيوني، وحكومته الغارقة في بحر من العقبات التي لا خروج منها، بدأ بمحاولة التقرّب من الروس، وهو يشاهد حُماته يتضاءل دورهم. ولم تؤدِّ خطوة ترامب الأخيرة بنقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس، إلّا إلى إحراج حلفائهم بشكل صارخ أكثر، وإجبارهم على التملّص من المواقف الأمريكيّة التي لا يجرؤ أحدٌ منهم على تبنيها.
اللاعبون الجدد
يضيء المقال، على أنّ موسكو وبكين تهدفان إلى خلق بيئة اقتصاديّة جديدة حقيقية تعتمد على القيمة الحقيقيّة، وتقوّض فقاعات المضاربات الماليّة التي تصحب الدولار والمصارف المركزيّة، وهذه الأنظمة الماليّة جميعها التي خلقت اقتصاداً وهمياً بالكامل، ومنفصلاً عن الواقع. ويركّز، أنّ أحداث سورية، وشرق المتوسط عموماً، قد عززت موقف روسيا في العالم، وفتحت الطريق على مصراعيه أمام أموال إعادة الإعمار الآسيوية، المؤطرة ضمن مبادرة «الحزام والطريق» الصينيّة.
ويشرح المقال: أنّ أزمة «المحافظين» النيوليبراليين الجدد جليّة، فبؤر الصراع التي خلقتها الولايات المتحدة لتكون بؤراً طويلة الأمد بدأت تخمد. فلقد بتنا نرى سعي روسيا وتركيا وإيران، مستعينين بالحلول العسكريّة والاقتصاديّة الجديدة، لتجفيف مستنقعات النزاعات في المنطقة. وكيف أنّ التعاون بين العسكريين المصريين والصينيين قد وصل مستوى جديداً له، في العمل كوحدات حفظ سلام في المناطق المشتعلة. وحتّى تلك الكيمياء الشديدة بين الولايات المتحدة وقوميي الهند لم تؤتِ ثمارها، حيث يبدو بأنّ النزاع الحدودي بين الهند والصين قد انحل، لينزع فتيل توتّر عوّلت عليه الولايات المتحدة. والرهانات الأمريكيّة في أوكرانيا قد فشلت بعد التقليل من قيمة إرسال أسلحة مدمرة إليها، وبعد مواجهة البلاد لانقلاب عكسي بقيادة ساكاشفيلي، ومعاناتها من الفوضى كعاقبة لاستخدامها في الطموح الأمريكي لإشعال روسيا.
واقع لا يمكن نكرانه
لا ينسى المقال، وسائل الإعلام الأمريكيّة السائدة التي تحاول التعمية على الواقع، فيقول: «رغم أنّ وسائل الإعلام، التي لطالما استُخدمت من أجل الترويج للبروباغندا، تحاول أن تبيّن واقعاً مزيفاً وخاطئاً، فإنّ الشعور باليأس يصبح مركزّاً عندما تقوم وسائل الإعلام السائد بمحاولة إقناع الجمهور بقصّة الأطفال الخرافيّة، عن محاولة الروس الأشرار، بأن يتلاعبوا بالانتخابات الأمريكيّة. ناهيك عن الادعاءات، التي لا دلائل تدعمها، عن أنّ الفريق الأولمبي الروسي يتعاطى المنشطات، ويجب حرمانه من المشاركة في الأولمبياد. إنّ انتصاراتهم الصغيرة، مثل: تشفير قناة «RT»، تظهر الوجه الحقيقي الشيطاني للنظام العالمي الجديد». ويشير إلى أنّ انهيار الخداع الذي سوقت له وسائل إعلام النظام العالمي الجديد، يظهر الوجه الحقيقي للنخب الغربيّة التي لا تملك في جعبتها إلّا الحروب والمقاربات غير الإنسانيّة.
ويقول في الختام: «من شمال إفريقيا، مروراً بجنوب أمريكا وآسيا، إلى الشرق الأوسط، لم تعد واشنطن هي الصوت الذي يملي القرارات كلها. فخلافاً للماضي، واشنطن لم تعد تختار مصائر الآخرين، بل تفضّل عوضاً عن ذلك عدم المشاركة من أجل تجنّب إظهار ضعفها الشديد الاقتصادي والعسكري. وقد بات الانسحاب من المسرح العالمي، استراتيجيّة تقوم على فكرة: أن ننسحب الآن بملء إرادتنا أفضل من أن يتمّ إجبارنا على ذلك».