استراتيجية ترامب: إقرار بتغير الموازين!
لم تأت استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشيء جديد على ما جاء في حملته الانتخابية، وإن كان عرض تلك الاستراتيجية قد تم في إطار العنجهية الأمريكية المعتادة والتي توحي بالتقدم، فإنه بقراءة ما بين السطور، يمكن التيقّن بأن الولايات المتحدة اليوم موغلة في تراجعها.
الاستراتيجية التي يطلبها الكونغرس الأمريكي من كل إدارة جديدة، وأعلن عنها ترامب في 18 كانون الأول الحالي، ومن اللافت، أن إدارته انتهت من العمل عليها في شكلٍ مبكرٍ وفي غضون 11 شهراً، فيما انتظرت إدارتا سلفيه باراك أوباما وجورج بوش بين 17 و21 شهراً لإنجاز استراتيجيتهما الأولى.
»الواقعية» الأمريكية
خلافاً للتوقعات، لم يحمل إعلان ترامب للاستراتيجية تصعيداً جديداً، بل جاء أقرب لما أعرب عنه مستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر، في خطاب له في مكتبة رونالد ريغان مطلع الشهر الجاري: أن الاستراتيجية تتبنى »مبدأ الواقعية السياسية».
حيث اعتبر، ترامب، روسيا والصين دولتين منافستين، مقراً بأنهما تعملان على تغيير الموازين في النظام الدولي، بقوله: »نحن ندخل حقبة جديدة من التنافس، الإطار الجيوسياسي والاقتصادي العالمي يتغير، نحن نواجه أنظمة مارقة تهدد الولايات المتحدة وحلفاءها، نواجه منظمات إرهابية عابرة للحدود، ونواجه قوى مثل: روسيا والصين، تحاول أن تعدل القيم وأن تغير الموازين»، لكنه أكد على أن التعاون هو ما يجب على واشنطن أن تعمل عليه، ضارباً مثالاً الاتصال الهاتفي الذي تلقاء من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليشكره على المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها واشنطن، فيما يتعلق باعتداء في سان بطرسبرغ قبل حدوثه، ذلك دون أن ينفي سعي بلاده للحفاظ على مصالحها حول العالم.
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بإيران وكوريا الديمقراطية وبرنامجهما النووي، فإن الاستراتيجية الجديدة بما تم الإعلان عنه، لا توحي بأن الولايات المتحدة عازمة أو قادرة على القيام بأكثر مما قامت به من استفزازات، في محاولة لإبقاء بؤر توتر مشتعلة حول العالم، حيث ذكر ترامب في هذا السياق: »سنعيق وصول إيران إلى القنبلة النووية، لذلك قمت بفرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني لدعمه الإرهاب، ولم أوافق على اتفاق إيران في الكونغرس»، مضيفاً في سياق آخر: »الحملة ضد كوريا الشمالية جعلتنا نقوم بتجميع حلفائنا لعزلها، ولكن الطريق طويل، الولايات المتحدة ستتخذ الخطوات اللازمة كلها، لضمان نزع الأسلحة النووية، وضمان أن النظام لا يهدد أمن العالم».
واشنطن المأزومة
يمكن لمتابع الخطاب، أن يلحظ بوضوح، كيف عمل الرئيس الأمريكي جاهداً على استرضاء ناخبيه، وتحميل جلّ المشكلات الداخلية والخارجية الأمريكية للساسة السابقين، على غرار ما فعله في حملته الانتخابية، سواء فيما يخص ارتفاع البطالة في الداخل، أو فشل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الخارج، أو حتى مسؤوليتها في انتشار الإرهاب حول العالم وخلق »داعش». مرجعاً خسارة الشعب لثقته بالحكومة إلى سياسات الضرائب والهجرة.
هنا يعد الرئيس الأمريكي شعبه بزيادة فرص العمل، من خلال تخفيض الضرائب على الشركات، ورفع القيود، وبالانسحاب من الاتفاقات التي تقتل الوظائف، على حد قوله، مثل: اتفاق الشراكة عبر الهادئ، واتفاق باريس للمناخ. وبأن زيادة الاستثمارات في الدفاع، والتي وصلت إلى 700 مليار دولار، ستسهم في تأمين الوظائف. واعداً بزيادة مساهمة الدول الأعضاء في »الناتو» ومطالبتهم بتعويض واشنطن عن تكاليف الدفاع عنهم. بالإضافة إلى استحداث ملايين الوظائف من خلال وضع خطط لمواجهة التهديدات الحديثة مثل: الإنترنت.
الاستراتيجية حسب الرئيس الأمريكي، تدعم أربع نقاط أساسية للأمن القومي، وهي: 1_ حماية الوطن الأمريكي، ونمط الحياة من خلال حماية الحدود. 2_ محاربة الإرهاب الراديكالي، وتطوير الأساليب في سبيل ذلك. 3_ تحقيق الازدهار واعتبار الأمن الاقتصادي أمناً قومياً. 4- حماية الأمن من خلال القوة.
بناءً على ما سبق، يمكن القول: إنه لا جديد لدى ترامب سوى الإقرار بتغير الموازين، ولا تحمل استراتيجيته الجديدة، إلا مزيداً من الميل نحو الانكفاء، وسياسات داخلية محابية للشركات ورؤوس الأموال، ومزيداً من الضغوط على الشعب الأمريكي بحجة حماية الأمن والازدهار، وهو ما يبشّر بأن أمريكا لن تصبح »عظيمة» مجدداً.