احتجاجات السليمانية: غضب الشعب على السياسات
تشهد مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، مظاهرات حاشدة للموظفين والمعلمين، احتجاجاً على سوء الظروف المعيشية ونظام ادخار الرواتب وتأخيرها من قبل حكومة الإقليم.
التظاهرات تطورت إلى مواجهات بين عناصر الأمن والمتظاهرين، أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين، وإضرام المتظاهرين النار في مقر الحزب »الديمقراطي الكردستاني» الذي يقوده مسعود بارزاني، وحزب »الاتحاد الوطني الكردستاني» وبعض الأحزاب الأخرى في السليمانية، بسبب ما وصفه المحتجون بـ»ممارسة الظلم من قبل الأحزاب على المواطنين»، فيما أعلنت حركتا »التغيير» و»الجماعة الإسلامية الكردستانية» دعمهما لمطالب المتظاهرين.
تأتي حركة الاحتجاجات الكردستانية ضد الأوضاع المعيشية، لتعبّر عن فساد وأزمة اقتصادية- سياسية عميقة يعيشها الإقليم، خلقتها النخب والأحزاب السياسية في العراق.
حيث تشير بعض التحليلات، إلى أن الأزمة المالية في الإقليم تعود إلى الاعتماد بشكل كبير على إيرادات النفط، التي تقدر حالياً بين 550 ألف وستمئة ألف برميل يومياً، وهو ما يدر على خزينة الإقليم نحو 11 مليار دولار سنوياً، كمورد بديل عن الـ17% من الموازنة الاتحادية، التي التزمت الحكومة العراقية بدفعها للإقليم بموجب اتفاق سابق، بعد أن قطعت موازنة الإقليم عام 2014. بينما النشاط الزراعي شبه غائب في الإقليم الذي يعتمد على استيراد 95% من احتياجاته من إيران وتركيا، حيث أدى ذلك في نهاية المطاف إلى عدم تسلم أعداد كبيرة من العاملين لرواتبهم نتيجة شح السيولة النقدية.
كذلك، إن إصرار بعض السياسيين في الإقليم، على إجراء استفتاء الاستقلال عن العراق الذي جرى في 25 أيلول الماضي، نتج عنه مزيد من الضغوط فرضتها حكومة بغداد، من بينها إيقاف الرحلات الدولية في مطاري أربيل والسليمانية، ومطالبة الإقليم بتسليم المنافذ الحدودية البرية كافة.
من جهة أخرى، يشهد إقليم كردستان أزمة سياسية، حيث تم تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لثمانية أشهر، بعد أن كانت مقررة في تشرين الأول الماضي، ولكن اندلاع الاحتجاجات الحالية دفعت رئيس الحزب »الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني للحديث عن ضرورة إجراء انتخابات كحل ملائم للأزمة السياسية التي يشهدها الإقليم، وبعيداً عن التوظيف السياسي الملتبس لمجريات الوضع في الإقليم من قبل قوى إقليمية ودولية، باتجاه تسخين بؤرة توتر قائمة، يمكن أن تؤزم الوضع العراقي ككل، من زاوية توتير العلاقة بين حكومة الإقليم، وحكومة بغداد، وتمنع استكمال عملية التفاهمات التي بدأت مؤخراً، لحل المشاكل القديمة والجديدة، بعد توتر العلاقة وتراشق الاتهامات المتبادلة، على إثر الاستفتاء الكردي، بعيداً عن ذلك كله، فإن المطلوب: إجراء عملية تغيير عميق سياسي واقتصادي في العراق ككل، فالاحتجاجات في الإقليم، بالإضافة إلى الاحتجاجات والاحتقانات في مناطق أخرى من العراق، تشترك في أسباب اندلاعها، وهي في العمق، تشكل رداً على مشروع النخبة السياسية العراقية كلها، مشروع تقاسم الثروة والسلطة بين النخب القومية والطائفية، التي تفرض على كادحي العراق والقوى الوطنية والديمقراطية، خوض معركة التغيير الشاملة، لما فيه مصلحة الشعب العراقي بعربه وأكراده وأقلياته القومية.