حزب «الطليعة» المغربي لقاسيون: «احتجاجات الريف»... مطالب شعبية مشروعة
شهد المغرب مؤخراً احتجاجات سميت بـ«حراك الريف»، وللوقوف على أسباب هذا الحراك ومآلاته، والسياسات المعمول بها اليوم في المغرب، تقدم قاسيون فيما يلي مقابلة أجرتها مع، علي بوطوالة، الكاتب العام لحزب «الطليعة» الاشتراكي الديمقراطي المغربي ...
كيف تقيّمون مستوى الرضى الشعبي عن السياسات الاقتصادية الاجتماعية الديمقراطية التي يجري اتباعها اليوم في المغرب؟ وماهي برأيكم الأسباب التي دفعت إلى «حراك الريف»؟
في المغرب، السياسات الاقتصادية والاجتماعية هي سياسات تقشفية، تهدف للمحافظة على التوازنات الاقتصادية، وبالتالي لها مضاعفات اجتماعية خطيرة على مستوى الأجور، والشغيلة ذوي الدخل المحدود، وتؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، وبطبيعة الأحوال فإن نتائج تلك السياسات هي الاحتجاجات.
هنالك احتجاجات على شكل إضرابات، وعلى شكل وقفات احتجاجية، أو مسيرات تنظم في المدن، إما تنظمها النقابات المركزية، أو تنسيقيات قطاعية ومحلية، كما حصل في الحسيمة مؤخراً في الشهر العاشر من السنة الماضية، فبعض الاحتجاجات أدت بطبيعة الحال إلى مواجهات مع السلطة، ورافقتها عمليات اعتقال ومحاكمات، وهو ما يعرف بـ«احتجاجات الريف» أو «حراك الريف»، حيث بدأت في الريف، واستمرت من تشرين الأول 2016، وحتى صيف السنة الحالية، وأدت إلى احتقان كبير في المنطقة، ومن ثم تدخلت القوات الأمنية، واعتقلت العديد من النشطاء الشباب، وتم زجهم في السجون، ومحاكمتهم، حيث أصدرت أحكام بالنسبة لبعض الشباب وصلت إلى 20 سنة. بالتالي هنالك احتقان اجتماعي ناتج عن هذه السياسات التي نعتبرها سياسات لا شعبية ولا ديمقراطية.
كنتم قد دعوتم مؤخراً إلى ضرورة إصلاح الضرر الواقع على سكان الريف المغربي نتيجة الحراك، كيف تتعاطون معه فعلياً على الأرض؟
نحن في حزب «الطليعة»، بالإضافة إلى حلفائنا في «فيدرالية اليسار الديمقراطي»، وكذلك أحزاب أخرى في اليسار، وجمعيات حقوقية، ومنظمات نقابية، ساندنا الحراك منذ انطلاقته، وطالبنا دائماً بالاستجابة للمطالب التي نعتبرها مشروعة، والحكومة بتصريحات عديدة أعلنت أيضاً أن مطالب الحراك مشروعة، وستعمل على الاستجابة لها، بل وحتى الملك نفسه في مناسبات عديدة، أعلن أن الحسيمة قد سبق لها أن عرفت تدشين مشروع كبير يعرف بـ«منارة الحسيمة» أو «منارة المتوسط»، وهو مشروع تنموي كبير، ولكن المشروع تعطل في العديد من الجوانب، وذلك بسبب الفساد، وبسبب المماطلة الحكومية في إنجاز المشاريع المقررة، وبسبب عدم رصد الميزانيات الكافية، وكانت الميزانية المرصودة لهذا المشروع بحدود الـ 6 مليارات درهم، ولكن المشاريع لم تنفذ، فطالب الملك بالمحاسبة، وفي نهاية المطاف أقال الملك أربعة وزراء، وتم عزل مسؤولين ومدراء محليين في المدينة من مناصبهم.
فإذاً: من الناحية الرسمية نلاحظ بأن هنالك اعترافاً رسمياً بتأخر المشاريع وبالفساد، وهنالك محاسبة لبعض المسؤولين، ونحن نطالب بذهاب التحقيق إلى أبعد مدى، ومحاسبة الفساد بشكل أقوى، وعلى المستويات جميعها، وأن الفساد لا يوجد فقط في تلك المنطقة، وإنما موجود في مناطق وقطاعات أخرى، ونحن جميعاً نعرف أنه في العالم العربي، وفي المغرب أصبحت ظاهرة الفساد من أخطر الظواهر التي تعرقل التنمية، ولها مضاعفات جسيمة على الاستقرار والتنمية.
يكثر الحديث في وسائل الإعلام عما تسميه دخول عدد من القوى الإقليمية على خط الحراك الجاري في الريف المغربي، هل هذا صحيح؟
لا، الريف المغربي له خصوصية، هي: أن عدداً كبيراً من المغاربة، سكان المنطقة، هم أيضاً مهاجرون مقيمون في البلدان الأوربية، وأغلب الجالية المغربية الموجودة هنالك، هي من سكان الريف، قامت بوقفات احتجاجية تساند فيها مطالب الحراك، وفي هذه الاحتجاجات، وحتى في احتجاجات الحسيمة، رفعت في بعض الأحيان راية الزعيم التاريخي، عبد الكريم الخطابي، وهي راية ترمز إلى جمهورية الريف التي تأسست ما بين 1921-1926، وبطبيعة الحال عندما رفعت هذه الراية من بعض النشطاء، اعتبرت دعوة للانفصال، وهذا في حقيقة الأمر مغالاة، لأن هذه الراية رفعت من قبل نشطاء، وعندما قمنا بالاستفسار منهم، كانت الراية بالنسبة لهم تعتبر رمزاً لمقاومة الريف للاستعمار، ورمزاً لتميز الريف بروح الشهامة وروح المقاومة والرفض، ولا تدل على أي ميل أو دعوة للانفصال بأية حال من الأحوال.
ونحن في المغرب لدينا ظاهرة تعرف بالحركات الأمازيغية، هنالك منظمات ومجموعات كثيرة أمازيغية، وهي ترفع إلى جانب العديد من الرايات، الراية الأمازيغية، ولكن في الدعوة الأمازيغية هنالك جانب يركز على الدعوة الثقافية واللغة، وهنالك جانب أخر يسمى بالجانب الهوياتي، وهم أقلية وسط الأمازيغ.
نحن نعتبر الهوية المغربية هوية متعددة، ولكن ومن مكر التاريخ، فإن المناطق الأمازيغية كلها تقريباً هي مناطق مهمشة، ولم تستفد من التنمية التي عرفها المغرب، وكان يمكن أن يكون المغرب بمستوى أفضل مما هو عليه الآن، حيث كنا أكثر تقدماً من كورية الجنوبية في الستينيات، ولكن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي نعتبرها خاطئة والتبعية للغرب، وتطبيق الليبرالية المتوحشة، وإهمال القطاعات الإنتاجية، والتركيز على القطاعات الخدمية، والأنشطة الاقتصادية ضعيفة المردود، وخاصة في ظل غياب صناعات كبيرة، لا يمكن أن تخلق تنمية مستدامة. الآن هنالك اهتمام بمشاريع تخص البنى التحتية، وهنالك بعض الصناعات التي تطورت، ويتم الآن الاهتمام بالطاقات المتجددة، ولكن هذه كلها مشاريع تعطي مردودية على المدى البعيد، أما المشكلة الآنية التي تواجهها المغرب بشكل كبير، هي مشكلة البطالة، لدينا نسب بطالة كبيرة، وخاصة في فئة الشباب، وتصل إلى 30% وخاصة من فئة الجامعيين والحاصلين على شهادات، وهذا يرفع منسوب الاحتقان الشعبي.
في الفترة الأخيرة، نسمع عن مساعٍ لتوحيد أحزاب يسارية من المغرب وتونس تحت شعار «اليسار المغاربي»، إلى أين وصلت هذه العملية؟ وماذا تتوقعون منها؟
نحن عقدنا في تونس في 24/25 تموز ندوة مغاربية، وقدمنا ورقة تتحدث حول المقاربة الاقتصادية للمنطقة المغربية والوحدة المغربية، لأن الاتحاد المغربي العربي الذي تقرر إنشاؤه في 28 شباط 1989 مجمد لحد الأن، بسبب الصراع المغربي الجزائري، فلو تم إنجاز الاتحاد المغاربي، وتم تطبيق الوحدة المغاربية، وتم إلغاء القيود على حركة البضائع والأشخاص ورؤوس الأموال، سترتفع نسب النمو في المنطقة المغربية كلها على الأقل بنقطتين من ناتج الداخل الخام في كل سنة، حيث أن نقطتين هي ضياع كبير لشعوب المنطقة المغربية ككل.
واليوم في مناطق العالم كلها في ظل العولمة، كل بلد لا يتوفر لها سوق على الأقل توازي 100 مليون نسمة، ستجد صعوبات كبرى في مواجهة تحديات العولمة، لأن أية صناعة ناجحة لابد لها من سوق تستوعب البضائع المكدسة، فالأمر لا يتعلق فقط في إقامة صناعة، فالصناعة تتطلب تصريف منتجاتها، والتصريف يحتاج إلى سوق، والسوق يحتاج طبعاً إلى قدرة شرائية، فالمنطقة المغربية لو توحدت والتي يقارب عدد سكانها أو يفوق ال 100 مليون نسمة، ستوفر سوقاً كبرى للشركات ولرجال الأعمال والمقاولات، وستوفر سوق شغل نشيط، وكذلك ستوفر مع الوقت قوة ما في الميزان التفاوضي، الآن هنالك تفاوت كبير في أوزان التفاوض بين الاتحاد الأوربي، ودول المغرب العربي كلها على حدة، ولذلك الاتحاد الأوربي يستطيع فرض الشروط التي يريدها على كل دولة لوحدها.
فبرأينا: إن هذا المشروع ولو تعطل لا ينبغي للقوى السياسية اليسارية بأن تبقى متفرجة، لابد للشعوب أن تتحرك، فهي التي ينبغي أن تطالب بالوحدة، وأن تفرضها على الحكومات، وهذه الشعوب لكي تتحرك ينبغي للقوى للطليعة، وللنخب الواعية في هذه الدول، أولاً: أن تزرع الوعي الوحدوي وأهمية الوحدة من خلال الأنشطة كالمهرجانات والمؤتمرات ومسيرات واحتجاجات تطالب فيها بالوحدة المغاربية، وقد بدأنا هذا المشروع في تونس، وسنحاول أن نعقد جلسة ثانية في المغرب خلال الأشهر القادمة، وقد بدأنا بالتحضير لتلك الندوة بمناسبة الذكرى الستين لاتفاق طنجة، حيث في العام 1958 عقدت أحزاب الأقطار الثلاثة في المغرب العربي، المغرب والجزائر وتونس، ندوة في طنجة آنذاك، وكانت قد قررت العمل على توحيد المنطقة المغاربية. نحن نريد في ذكرى هذه الندوة إعادة بناء المشروع المغاربي، على أسس جديدة من الحرية والديمقراطية، وطبعاً العدالة الاجتماعية.
حزب «الطليعة» الاشتراكي الديمقراطي: هو حزب سياسي يساري مغربي، انشق عن «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» عام 1991، يتبنى الاشتراكية العلمية، وهو واحد من الأحزاب الثلاثة المكونة لـ«فيدرالية اليسار الديمقراطي» الموجودة ضمن مجلس النواب المغربي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 837