المبادرات الدولية و«العقدة الليبية»

المبادرات الدولية و«العقدة الليبية»

سمحت التوازنات الإقليمية والدولية في الأشهر الأخيرة بتعزيز ميداني لمواقع الجيش الليبي المدعوم دولياً بقيادة المشير خليفة حفتر، مع انحسار نسبي للتنظيمات المسلحة في المناطق الساحلية وتحديداً الهلال النفطي. وعلى هذا الأساس، تجري ضغوط متعددة الاتجاهات نحو إحياء المسار السياسي من جديد...

تتعدد الجهات الداعمة لمسار الحل السياسي الليبي إقليمياً ودولياً، حتى أن كم المبادرات المطروحة لحل الأزمة الليبية بات معرقلاً لجهود الحل، ويستلزم توحيد الجهود فيما لو صدقت النوايا الإقليمية لحل الأزمة، وفي هذا الصدد أعلنت الأمم المتحدة عن مبادرتها بشكلها العام، وبنودها التفصيلية بغية دفع العملية السياسية إلى الأمام بالاستفادة من الظروف المحيطة بليبيا سواء في دول الجوار، أو حتى على السواحل الأوروبية المقابلة والمتأثرة بالأوضاع الليبية...
جهود الأمم المتحدة
في خضم اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخيرة في دورتها 72 جرى التطرق إلى المسألة الليبية، حيث اجتمع عدد من كبار المسؤولين الدوليين، إضافة إلى رئيس «المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني» فايز السراج، والممثلة العليا للشؤون الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، ورئيس «مفوضية الاتحاد الإفريقي»، موسى فكي محمد، واقترح الأمين العام للأمم المتحدة في هذا الاجتماع استراتيجية تتضمن النقاط التالية: إعادة تنشيط عملية سياسية شاملة، بناء مصداقية مع الشعب الليبي، تعزيز الترتيبات الأمنية وهيكلة الأمن القومي، تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتوفير السلع والخدمات، ودعم المهاجرين والتمسك بالمعايير الدولية طويلة الأمد بشأن الهجرة، بالإضافة إلى تنسيق المشاركة الدولية، بما في ذلك الجهود التي تبذلها الدول المجاورة لليبيا.
هذه الاقتراحات لم تخرج عما ذهبت إليه أغلب المبادرات المطروحة في أغلب مراحل الأزمة الليبية، لكن الأمم المتحدة تحاول الإسراع إلى خطوات تطبيقية مباشرة، بمساعدة مبعوثها الجديد إلى ليبيا غسان سلامة، الذي استلم مهامه في آب الماضي، ويحاول سلامة تمرير تعديلات قانونية على الاتفاقات الأساسية بين أطراف النزاع الليبي، وتحديداً اتفاق «الصخيرات»، لتسهيل عملية التفاوض والانتقال إلى الوضع السياسي الجديد، وفي هذا السياق، يشير سلامة إلى أن الخارطة تبدأ بتعديل الاتفاق الذي توصل إليه في الصخيرات بالمغرب قبل عامين، ثم كمرحلة ثانية إقامة مؤتمر وطني برعاية الأمم المتحدة لدمج «المنبوذين»، والمقصود هنا التيارات السياسية المستبعدة من العمليات السياسية السابقة، بما فيها التيارات السياسية المحسوبة على حكومة الرئيس معمر القذافي، وبعدها فتح الباب أمام انتخابات عامة للرئيس والبرلمان.
وفي تفصيل المرحلة الأولى المتعلقة بتعديل اتفاق «الصخيرات»، أوضح عبد السلام نصية، رئيس لجنة الحوار المنبثقة عن «مجلس النواب الليبي»، أن التعديل سيشمل ثلاث نقاط رئيسة تتمثل في: إعادة هيكلة المجلس الرئاسي، وفصل رئاسة الوزراء عن المجلس الرئاسي، وثانياً: توسعة مجلس رئاسة الدولة، وثالثاً: إلغاء المادة الثامنة المخصصة للجيش، وبعدها معالجة مسألة الدستور.
وأكد عبد السلام نصية، أن آلية التعديل ستنطلق من خلال ترشيح أعضاء من لجنة الحوار الممثلة لـ«مجلس النواب» ولجنة الحوار الممثلة «لمجلس الدولة لصياغة التعديل»، لتنطلق بعدها لجان الصياغة في إجراء تعديلات على الاتفاق السياسي.
عزل المبادرات الجانبية
على أساس هذه الخطة، يعلن غسان سلامة، ضمناً تنحية المبادرات الجانبية، التي كان آخرها المبادرة الفرنسية، حيث نجحت الأخيرة في تحضير لقاء جمع قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، مع رئيس حكومة «الوفاق الوطني» فايز السراج، لكنها لم تأت بالجديد، كما سابقاتها، نتيجة غياب التفاعل الفرنسي مع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية جميعها، حتى أن دول الجوار الليبي، مصر وتونس والجزائر وحتى إيطاليا أبدت انزعاجها من السلوك الفرنسي، ذلك بعد أن عقدت فرنسا اتفاقاً عسكرياً مع برلمان طرابلس، دون التشاور أو التنسيق مع هذه الدول، وعلى هامش اجتماعات الأمم المتحدة في دورتها 72 التقى وزير الشؤون الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، ونظيره التونسي خميس الجهيناوي، والمصري سامح شكري، حيث اتفق الوزراء على «آلية التنسيق الثلاثي» وعلى مواصلة التشاور والتنسيق من أجل مرافقة الليبيين في مسعاهم الرامي إلى التوصل لحل نهائي يحفظ سيادة البلاد.
وفي سياق الحديث عن ردود الأفعال المحيطة بمبادرة الأمم المتحدة، نقل السفير البريطاني لدى ليبيا، بيتر ميليت، في سلسلة تغريدات على «تويتر» أن تيريزا ماي رئيسة الحكومة البريطانية، أعربت أثناء مشاركتها في جلسة رفيعة المستوى لمجلس الأمن بشأن ليبيا، عن دعم لندن للتسلسل الزمني المتعلق بتطبيق بنود خارطة الطريق الأممية الجديدة بشأن تسوية الأوضاع في ليبيا، والتي طرحها المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، وشددت تيريزا ماي على ضرورة توحيد الجهود كلها في مسار واحد تقوده الأمم المتحدة مضيفة «لا مجال بعد الآن للبحث عن مسارات بديلة أو محاولات كسب وقت».
محاولات تمييع الدور الروسي
يجري إعلامياً تصوير الدور الروسي على أنه أكثر انحيازاً اتجاه الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ليأتي الرد عملياً بزيارة وفد من قوات «البنيان المرصوص» التابعة لوزارة الدفاع المقترحة بحكومة الوفاق الوطني، أي: التشكيلات العسكرية المحسوبة على حكومة طرابلس، وجاء ذلك بعد المعارك التي خاضتها هذه التشكيلات العسكرية في مدينة «سرت»، وسط البلاد، وبالتالي، يمكن القول: إن تأكيد روسيا الدائم على دعم جهود التسوية السياسية أدى في نهاية المطاف إلى تعظيم دورها لدى الأطراف كلها، كجهة موثوقة سياسياً، بعكس بعض المواقف الغربية التي انحازت مبكراً لأحد طرفي النزاع، وفي محاولة أخرى لتفريغ دور الوساطة الروسية، تزيد وسائل الإعلام الغربية من التحليلات القائلة برغبة روسيا في بناء قاعدة عسكرية لها شرق البلاد، وهو ما تنفيه روسيا جملةً وتفصيلاً في كل مناسبة.
في هذا السياق يقول رئيس لجنة الاتصال الروسية المعنية بليبيا التابعة لوزارة الخارجية ومجلس الدوما، ليف دينجوف، في حديثه مع صحيفة «لا ريبوبليكا»: «أستطيع أن أؤكد أن روسيا ليس لديها نوايا عسكرية»، مضيفاً، «روسيا تريد أن تكون وسيطاً، هدفنا الوحيد هو استعادة السلام في ليبيا».

معلومات إضافية

العدد رقم:
830