«تفاهمات الاضطرار»... هل تصمد؟
جاء الإعلان المفاجئ عن التفاهمات التي حصلت في القاهرة بين الحكومة المصرية ووفد قيادة حماس، ومن ثم مع وفد قيادة فتح/ السلطة، ليضع مجدداً قاطرة «الانقسام» الفلسطيني على سكة الحوارات الداخلية، المشمولة والمحاطة والمراقبة، بالرعاية الرسمية/ الأمنية المصرية، على أمل الوصول لمحطتها النهائية في تحقيق المصالحة بين الحركتين والسلطتين، والتي ستنعكس تالياً على عموم البيت الفلسطيني بمكوناته الفصائلية وقوى مجتمعية عديدة.
ما زال صدى المفاجأة/ الخبر يتردد في المشهد السياسي الفلسطيني ويحتل المركز الأول بالاهتمامات، إلى أن جاءت رصاصات الفدائي الاستشهادي، نمر محمود أحمد جمل، التي أردت ثلاثة قتلى من عسكر المحتلين وجرح رابع على بوابة مستعمرة صهيونية قرب بلدة «قطنة» في محيط مدينة القدس المحتلة، لتؤكد مجدداً، لكل المتفاهمين والمراقبين والداعمين وقبلهم جميعاً، الغزاة المحتلين، بأن الطريق الوحيد لاستعادة الوحدة هو وضوح الموقف من العدو المحتل، وضرورة إدامة الاشتباك معه. لأن بنود أي اتفاق لا تكون منطلقة من برنامج سياسي كفاحي، لا يعدو كونه تكراراً واجتراراً لتجارب سابقة باءت بالفشل.
مأزق الأطراف المشاركة وحاجتها للتوافق
كان الإعلان عن التزام حماس بحل اللجنة الإدارية، التي كانت البند الأول في اشتراطات حركة فتح/ السلطة للبدء برفع العقوبات والتوجه للحوار، إشارة البدء بفتح بوابة العبور باتجاه تحقيق طلبات سلطة رام الله المحتلة، لبدء أية خطوة تصالحية مع حماس، وكإجراء ضروري لوقف أشكال العقاب كله وإلغائها، والتي لحقت بالشعب المحاصر في القطاع، وليس بسلطة حماس فقط، نتيجة القرارات المجحفة التي أصدرتها حكومة رامي الحمد الله.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن ذلك كله _ الإعلان والاستجابة_ لم يكن له أن يتحقق دون دور مصري فاعل ومؤثر، بل، ومقرر، جاءت مقدماته منذ أن بدأت القاهرة برعاية تفاهمات حماس ودحلان (التيار «الإصلاحي» في فتح، كما يسميه أصحابه)، لتحرك_ في غرف المقاطعة في رام الله المحتلة_ المخاوف من سيناريو مختلف هذه المرة، سيأخذ القطاع بعيداً عما تريده فتح/ السلطة برعاية مصرية! لكن الخطوة المصرية المدعومة بالتوافقات المصرية والإماراتية والسعودية في تعزيز خطوات التنسيق بين حماس ودحلان، كانت مرسومة بدقة بحيث تقلل من تفرد وتشدد عباس وطاقمه تجاه غزة: سلطة وشعباً، وتعطي لحماس إمكانية التخفيف من أثر سياسات الضغط الاقتصادية والحياتية التي تمارسها السلطة في رام الله المحتلة. وقد ترافق ذلك كله مع عدة عوامل ساعدت على استجابة الحركتين للمبادرة المصرية والتي يمكن الإشارة لأهمها:
- رفع الفيتو الأمريكي و«الإسرائيلي» عن إنهاء الانقسام والبدء بإجراءات وحوارات تقود للمصالحة، كما جاء في حديث القيادي في حركة حماس، موسى أبو مرزوق، لتلفزيون القدس بعد الإعلان عن التفاهمات. وهذا يشير إلى وجود الطرفين الأمريكي و«الإسرائيلي» كضامنين غير معلنين.
- إنسداد الأفق (هذا ليس جديداً) بوجه المتحمسين للتمسك باتفاق أوسلو في رام الله، ووصول أولئك لحائط مسدود بحيث تتساقط كل يوم رهاناتهم على الدور الأمريكي وتوابعه الغربية.
- الحصار المطبق على قطاع غزة وعلى قيادة حماس، بما سينعكس على وضع اقتصادي سيء جداً، تتولد عنه وترتبط به، أزمات اجتماعية تقترب من لحظة انفجار لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجها.
- انهيار رهانات حماس على استمرار دورها المتفرد بالقطاع بعد الهزائم المتلاحقة التي أصابت قواها الداعمة: سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تعثر وفشل مشروع الإخوان في سورية، انكفاء الدور القطري والتركي بعد مؤتمر الرياض الذي وضعت فيه إدارة ترامب أسس التوجهات القادمة، والتي ظهرت مفاعيله بالأزمة الخليجية مع قطر.
- حرصت مصر على عودتها للإمساك بالملف الفلسطيني وسحبه من التداول والتحكم به من قبل قطر أو تركيا انطلاقاً من إعادة الاعتبار لدورها ومكانتها الإقليمية وموقعها الجغرافي. كما أن طبيعة المعركة الدائرة مع الإرهاب الفاشي في محافظة سيناء، ومن ثم امتداداته في المحافظات الأخرى، تتطلب من القيادة السياسية والعسكرية والأمنية، كشرط لتحصين الأمن القومي المصري، التعامل مع قطاع غزة وحماس من أجل ضمان أمن الحدود المشتركة وتحسين شروط الحياة الإنسانية الكريمة في القطاع خوفاً من وصول درجة الأزمة داخله إلى لحظة الانفجار الذي ستصيب حممه الجار الشقيق.
بطء بالحركة وتسارع بالأزمات
مع انتظار وصول وفد حكومة رام الله إلى غزة، تنتاب المواطن في القطاع أولاً، وأبناء الشعب الفلسطيني كافة، حالة من القلق لبطء الإجراءات التي تتحكم بحكومة الحمد الله وقيادة المقاطعة، خاصة، بعد تصريحات جمال محيسن، عضو اللجنة المركزية لفتح/ السلطة، لتلفزيون فلسطين قبل عدة أيام، والتي جاء فيها: «القرارات التي اتخذها الرئيس محمود عباس لن ترفع إلا بعد تمكين عمل الحكومة بالكامل». والمخاوف لم تأت فقط من «تمكين عمل الحكومة» - العبارة الملتبسة «حمّالة الأوجه»، بل ومن كلامه عن أن «قرار السلم والحرب تحدده القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس أبي مازن وليس من حق أي حزب أن يتخذ هذا القرار».
اللافت، هنا، أن الكلام ذاته عن قرار السلم والحرب جاء على لسان القيادي في حركة حماس، موسى أبي مرزوق، في مقابلة مع مراسل جريدة «الحياة» اللندنية بموسكو بتاريخ 22/09/2017: «قرار الحرب والسلام مسؤولية وطنية وقرار جماعي، وحماس مستعدة لالتزام المسؤوليات الوطنية... والحركة مستعدة لتقاسم المسؤولية عن قرار الحرب والسلام في شكل إيجابي». وهنا، لا بد من تفكيك ما جاء في حديث المسؤولين في الحركتين، من أجل الوصول لجواب عن سؤال يفرض ذاته على المتفائلين كلهم بقرب المصالحة: قيادة سلطة المقاطعة في رام الله المحتلة، والملتزمة باتفاق إعلان المبادئ «اتفاق أوسلو» وبكل ما نتج عنه ويرتبط به أمنياً «التنسيق الأمني»_ ناهيك عن الاقتصادي_ لها موقف معلن تجاه المقاومة المسلحة، خاصة، أن الكلام المتكرر عن السلاح المقاوم_ وحتى سكاكين الطعن_ في أحاديث قادة السلطة لا يحتاج إلى تفسير. لهذا، عن أية «قرارات حرب» يمكن لهذه السلطة الناتجة عن التفاهمات أن تقررها؟؟
خاتمة
إن التوصل إلى حل القضايا العالقة في التفاهمات والاتفاقات السابقة كلها بين الحركتين، والتي شكلت عقبات جدية في آلية التنفيذ، خاصة، الأجهزة الأمنية والعديد من القضايا الإدارية: الوظائف الرئيسة، وتقاسم كوتا التوظيف ومؤسسات المنظمة (لجنة تنفيذية ومجلس وطني ومجلس تشريعي) التي تحتاج لإعادة تجديد وإنعاش، بعد أن انتهت صلاحيتها القانونية، كما منصب «الرئيس»، يجب أن تسبقه وقفة نقدية تساهم فيها ورشات عمل تحضرها بجانب الفصائل، قوى شعبية وطنية (هيئات وشخصيات وإطارات شبابية مناضلة)، لإسقاط اتفاق أوسلو – الذي لم تتعامل معه حكومات العدو ولم تعترف ببنوده_ وسحب الاعتراف بالكيان، من أجل توفير أرضية صلبة للانطلاق بالحوار من مواقف واضحة لا تقبل التأويل، من أجل صياغة برنامج سياسي وطني وكفاحي يشكل المنارة التي تنير طريق النضال بأشكاله كلها.
في ظل هذا المشهد، يتأكد الحضور الميداني والكفاحي لقوى الحراك الشعبي في داخل الضفة والقدس المحتلتين، الذي أكدته دماء وبطولات شابات وشباب الهبّة الشعبية التي تتجدد في كل مرحلة، كما تجسدت مؤخراً معركة البوابات حول المسجد الأقصى، وفي المعركة الجديدة المنتظرة في مدينة الخليل. هذا الحضور الذي سيقرر مع عوامل أخرى مسارات النضال الوطني ومآلاته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 830