الشرط الكافي لإنجاز الحل الليبي

الشرط الكافي لإنجاز الحل الليبي

تعمل دول الجوار الليبي بشكل حثيث على إيجاد المخارج السياسية لأطراف النزاع في ليبيا، ويمكن اعتبار الجهود الروسية- المصرية و الجزائرية- التونسية- المصرية أيضاً، الأكثر واقعية في قدرتها على التواصل المستمر مع طرفي النزاع في طبرق وطرابلس بشكل أساسي...

الأزمة الليبية المؤرقة لجوارها، المصري والجزائري، والتي سمحت أيضاً بتشكيل بؤرة واسعة للجماعات المتطرفة، نحت بجميع الأطراف المعنية المتأثرة مباشرة بالأزمة الليبية إلى استحداث المبادرات حول سبل حل هذه الأزمة، لكنها بقيت مبادرات منفصلة، لا يجري عملياً تجميعها في إطار مشروع قرار دولي جديد ملزم للأطراف داخل ليبيا وخارجها...

تنازع المبادرات
ربما يكون العامل الرئيس المؤدي إلى حالة العمل المنفرد هو اختلاف الأطراف المساهمة في الحل، حول قضايا خارج ليبيا، والحديث يدور هنا مثالاً عن إمكانية التعاون الروسي- الأوروبي المباشر، فالغربيون حتى الآن لا يرغبون في تصدير نوايا تعاون علنية في تعاونهم مع روسيا، رغم بعض المواقف التي نشاهدها هنا أو هناك فيما يخص دعم بعض الأوروبيين لمبادرات الحل الروسي، كإيطاليا مثالاً، التي تقترب في بعض الأحيان من الموقف الروسي علانية.
من جهة أخرى، تبدو إحالة الملف الليبي إلى أروقة المؤسسات الدولية، الأمم المتحدة ومجلس الأمن، منغصة لرافضي الواقع الجديد القائل بتغير موازين القوى داخل ليبيا عن ما كانت عليه الأمور في قبل عامين تقريباً، فالرجوع إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، غالباً ما يعني استصدار قرار يشابه في أحد مضامينه، فقرات من القرار 2254 الخاص بالأزمة السورية، والمقصود هنا بالتحديد: استبعاد أشكال التدخل الخارجي كافة بالشأن الليبي، والضغط على الأفرقاء للوصول إلى توافقات تخرج بلادهم من أزمتها، وبالتالي: فإن منطق المبادرات الجزئية لا يزال سائداً حتى اليوم في الملف الليبي، وفي هذا السياق، يمكن الاطلاع على المبادرة الفرنسية مؤخراً، والتي تحاول الاستفادة مما توصلت إليه دول الجوار الليبي وروسيا، في تقريب وجهات النظر بين طبرق وطرابلس، والبناء عليها على أساس مبادرة جديدة تحمل الأطراف على الوصول إلى توافقات حقيقية وفعالة، على أن يبدو النجاح الفرنسي «الأوروبي»، نجاعة في السياسات الدولية، وليس التحاقاً بما استطاعت دول أخرى الوصول إليه في السنتين الأخيرتين على أقل تقدير، وسط غياب شبه كامل للدور الفرنسي والأمريكي، والغريب عموماً في هذه المسألة.

مبادرة النقاط العشر
توصل رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، في لقائهما قرب باريس، 25/تموز الحالي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، وقال بيان مشترك نشرته الرئاسة الفرنسية عقب اللقاء: «نتعهد بوقف إطلاق النار والامتناع عن استخدام القوة إلا في حالات تتعلق بالجهود المشتركة في محاربة الإرهاب».
ووفقاً للبيان التزم الطرفان بتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية، في أقرب وقت ممكن، تحت إشراف الأمم المتحدة، ويدعو البيان إلى تسريح مقاتلي الفصائل والمجموعات المسلحة وتشكيل جيش ليبي نظامي.
في أعقاب الإعلان المشترك، صدرت ردود أفعال مرحبة لكن حذرة، من جانب بريطانيا وإيطاليا، في الوقت الذي لم تعلق فيها موسكو وواشنطن على البيان، بانتظار قدرة فرنسا على تسيير الاتفاق كما هو معلن بالنقاط العشر.
في إطار أزمة تأخذ طابعاً دولياً مثل الأزمة الليبية، أي: أن حجم التعقيدات والمصالح المرادة من هذه المسألة، يكون كبيراً جداً إلى درجة أن حلها داخلياً مرهون بمنع التدخلات الخارجية على مسار أية تسوية، وهو ما لا يمكن ضمانه فرنسياً فقط، وبالتالي رغم إيجابية إنعاش الحوار المباشر بين الطرفين المتنازعين، وإصدار بيان مشترك، إلا أن الحل الناجز للأزمة الليبية يتطلب تعاوناً دولياً واسعاً ورسمياً بين الدول المعنية بالشأن الليبي، أساسه السماح بالتوافق الليبي- الليبي على مستقبل البلاد، إذا ما أرادت الأطراف الدولية والإقليمية إخراج ليبيا حقاً من أزمتها.

التوجه إلى روسيا
كان حصار ليبيا، بهذا المعنى، ممهداً لتوجهها نحو القوى الدولية الصاعدة، التوجه المعبَّر عنه بسلسلة التصريحات التي خرجت من شخصيات عدة في ليبيا، والتي تطالب بإعادة تقديم الدعم العسكري والاقتصادي، الذي درجت روسيا على تقديمه منذ خمسينيات القرن الفائت.
في الشكل، تريد العديد من الأطراف الليبية تفعيل الاتفاقيات التي عقدت في 2008 بين ليبيا وروسيا، والتي لا تزال سارية المفعول حتى عام 2020، ما يسمح بكسر حظر التسليح على ليبيا، التي تقف إلى الآن بإمكانات محدودة في مواجهة التنظيمات الإرهابية. أما في العمق، فتبحث الأطراف عن مخارج لها من الاستقطاب الإقليمي عبر تفعيل علاقتها مع روسيا، ومع دول الجوار، حيث إن دول جوار ليبيا (مصر، تونس، الجزائر) تدعم العملية السياسية الليبية، بمقابل بعض الدول الإقليمية التي تسعى إلى فرض هيمنة التيارات المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين على الشعب الليبي. هذا التيار الذي تلقى ضربات قوية في أكثر من مكان.
ويأتي التوجه نحو روسيا بعدما أثبت الغرب أن المشروع الوحيد الحاضر بين يديه هو إحراقها. فيقول رئيس الوزراء الليبي الذي كانت له مواقف سابقة أقل تشنجاً من تدخل «الناتو» في بلاده: «أُصِبنا بخيبة أمل من قبل من كانوا يقدمون لنا الدعم. وتخلوا عنا في لحظات كان الشعب الليبي أشدّ ما يكون بحاجةٍ للوقوف إلى جانبه»، فيما كانت السياسة الروسية هي «السياسة الثابتة. هناك نهج في خط السياسة الروسية لا يتغير بتغير المصالح».
وتؤكد التوجهات الليبية الجديدة على عدم قصر العلاقات مع الجانب الروسي بالشق العسكري فقط، بل على إعادة تطوير مشاريع الاقتصاد والبنية التحتية، من مشاريع سكك الحديد التي توقفت، والطاقة والمواصلات.. إلخ. وهنا تؤكد العديد من الأطراف الليبية أن اللجوء إلى روسيا هو لتفعيل الاتفاقيات العسكرية والاتفاقيات الأخرى، بما في ذلك عودة شركات النفط الروسية إلى العمل في الأراضي الليبية.
هذا التوجه شرقاً، وإن لم يكتمل بعد بكل تأكيد، هو إشارة نوعية جديدة تتعلق بحقيقة تتبلور تباعاً، مفادها: أن مستجدات التغير في موازين القوى الدولية تفتح الباب أمام فرصة ذهبية، قد تجعل مشروع الحريق الغربي في ليبيا مشروعاً ينتمي إلى مخلفات مرحلة الانفراد والهيمنة، في سياسة القطب الواحد على الصعيد العالمي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
821