أزمة المنظومة... ليست قطر وحدها

أزمة المنظومة... ليست قطر وحدها

وصلت السعودية إلى أقصى ما يمكن فعله لإلباس قطر ثوب الراعي الأكبر «الوحيد» للإرهاب في المنطقة، والنتائج الأولية لا تشير إلى نجاح سعودي في الهدف المرسوم، بما يوازي حجم الحملة سياسياً وإعلامياً، من حيث التحشيد والتصعيد بالخطاب...

المؤكد أن حملة «تأديب السلطة» القطرية كما يصفها المستشار في الديوان الملكي السعودي، «سعود القحطاني» لن تتوقف قريباً، في الوقت نفسه فإن الأهداف المرسومة ذات السقوف العالية لم تعد صالحة، والدليل هو كثرة الوساطات سواء، الكويتية أو السودانية وأخيراً التركية، لحل الأزمة الخليجية-القطرية، أي: الانتقال من مرحلة «الإخضاع» إلى مرحلة «التوافق» على الخروج من هذه الأزمة...
في أسباب الفشل السعودي
إذا ابتعدنا عن الأسباب الظاهرية التي تصرح بها السعودية، كدعم قطر للإرهاب، رغم أن في هذا جزء كبير من الصحة، فهو كلام حق يراد به باطل، فالسعودية ليست بموقع سياسي وأخلاقي يسمح لها بتأديب غيرها في المنطقة بحجة دعم الإرهاب، ولا هي تلك المملكة البريئة بالنظر إلى تقارير الأمم المتحدة المتواترة فيما يخص ممارسات «التحالف العربي»، الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن، أو بالنظر إلى تدخلاتها في شؤون الدول الإقليمية، كما في سورية وليبيا.
بالتالي، يجدر البحث عن السبب الأساسي لهذه الحملة السعودية، خارج تجاذبات الإعلام وتصريحات المسؤولين في الطرفين، وربما تكون نقطة الانطلاق هنا هي ممارسات حلفاء واشنطن في المنطقة، وتحديداً في سورية العراق وليبيا واليمن، التي شهدت تدخلات مباشرة وعلنية، بسقوف مرتفعة وفشلت في تحقيق أهدافها بحكم موازين القوى الدولية والإقليمية القائمة في السنوات الأخيرة، وبما أن النتيجة كانت انتشار ظاهرة الإرهاب في أغلب دول المنطقة، ووصولها حتى إلى أوروبا، فإن الفشل السياسي لحلفاء واشنطن، يعني بالضرورة أن الأثمان السياسية والمالية المترتبة على هذا المحور، سيتم دفعها إما مناصفة بين الخاسرين، أو ستدفعها الحلقة الأضعف في هذا المحور، والتي تبدو قطر صاحبة هذه المرتبة، ضمن منظومة التحالفات الخليجية-الأمريكية.
سلسلة أزمات..
هنا، يمكن العودة قليلاً إلى الانقلاب الفاشل في تركيا العام الماضي، حيث أن تراكم الأزمات داخل تركيا، وفشلها إقليمياً بتحقيق أهدافها المعلنة في سورية ومصر، أجبرا أنقرة على استدارة سريعة اتجاه التنسيق جزئياً مع روسيا، مما أدى إلى تدبير انقلاب في الداخل التركي، كان الممكن أن يودي بالبلاد إلى حرب أهلية ما كانت لتقف عند الحدود التركية، بل فجرت المنطقة برمتها لسنوات مديدة، ذلك الانقلاب من حيث التحليل والاحتمال الجدي لضلوع فتح الله غولن المقرب ممثل التيار الفاشي في الإدارة الأمريكية بهذا الانقلاب، يسمح لنا بتحديد أولي لمفتعلي الانقلاب، وهم الأطراف التي لا ترغب بهذه الاستدارة التركية. وبالعودة إلى الحالة القطرية، فإن إدراك قطر المتأخر لضرورة إيجاد توازن جديد في علاقاتها الإقليمية حدا بالسعودية إلى «تأديبها»، لكن كما في الحالة التركية، استطاعت قطر الخروج الجزئي من تحت الضغط السعودي بأقل الأضرار، حتى أنها بدأت بالانتقال من حالة الدفاع إلى الهجوم، فمؤخراً أكد وزير الاقتصاد والتجارة القطري، أحمد بن جاسم، أن بلاده «ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة وستلجأ إلى المنظمات والمحاكم الدولية والإقليمية لمقاضاة دول الحصار»، متحدثاً عن أن الشركات غير القطرية العاملة في قطر ستقاضي بدورها هذه الدول، وستطالبها بتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها، وقال الوزير القطري: إن دول الحصار مطالبة بتعويض القطاع الخاص القطري عن «الخسائر التي تكبدها والتي تقدر بمبالغ ضخمة»، وفي السياق نفسه، أدلى وزير الدفاع القطري، خالد بن محمد العطية، بتصريحات حول إجبار قوات بلاده على المشاركة ضمن قوات «التحالف العربي» في اليمن، كرد سياسي على إجراءات السعودية العقابية بحق قطر.
لكن حتى في حال خروج قطر من أزمتها مع الخليج والسعودية تحديداً، في ظل تعدد الوساطات الإقليمية بهذا الصدد، فالمؤكد أن الخليج بكليته دخل في سلسلة أزمات، لا يعني إقفال إحدها حماية هذه الدول من أزمات أخرى محتملة، فكما ذكرنا مسبقاً، إن الأثمان السياسية والمالية، هي أثمان «واجبة الدفع» عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي، فإن قدرة هذه الدول المأزومة على التعاطي بواقعية مع التغيرات الإقليمية والدولية هي السبيل الوحيد لتقليل الخسائر، وهو ما لا يبدو ظاهراً في الأفق القريب، تحديداً فيما يخص السعودية التي تتحول فيه حالياً، إلى «الوكيل الأمريكي» الأول في المنطقة.
الأزمة «تكشف» عورة واشنطن
يعود الانقسام الداخلي أمريكياً بين مراكز القوى للظهور مجدداً، هذه المرة في الأزمة الخليجية-الأمريكية، فتصريحات الإدارة الأمريكية في الليل يمحوها النهار، ومؤخراً أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية ما تسميه «التقرير السنوي الخاص بجهود دول العالم في مكافحة الإرهاب» لعام 2016، وتضمن التقرير رأي واشنطن في علاقة قطر بالإرهاب، حيث اعتبر التقرير أن قطر «حققت تقدماً كبيراً»، واعتبر أن قطر «ملتزمة أو ملتزمة إلى حد كبير» بكل التوصيات التي قدمتها «مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
إلا أن التقرير لم يبرئ قطر تماماً من تهمة تمويل الإرهاب، لكن بطريقة أقل، غير مباشرة إن صح التعبير، بعد تأكيد التقرير أن ممولي الجماعات الإرهابية داخل قطر مازالوا قادرين على استخدام النظام المالي فيها، غير الرسمي، لهذا الهدف.
وبغض النظر عن صحة التقرير بالمعنى المهني، وهوامش الحيادية المتاحة فيه، إلا أن ما يهمنا هو الجانب السياسي من هذا التقرير، والذي يؤكد مرة أخرى عجز واشنطن في تصدير موقف سياسي يرضي حلفاءها في المنطقة، أي: أنها لا تدعم تماماً الموقف السعودي في تعاطيه مع الأزمة الحالية، كما كان مأمولاً من السعودية، بعد الزخم الإعلامي والمالي الذي رافق زيارة ترامب إلى الرياض، وفي الوقت نفسه لا تبرئ قطر من تهمة دعم الإرهاب، والسؤال المطروح هنا، هو في قدرة واشنطن على التعاطي مع أزمات حلفائها المفترضة في المراحل المقبلة، وهي منقسمة في موقفها اتجاه أزمة تبدو فقط بداية لسلسلة أزمات من المرجح أن تعصف بمنطقة الخليج على وجه الخصوص..!

معلومات إضافية

العدد رقم:
820