كي لا تدفع مصر فواتير الغير...
مع بداية شهر تموز الجاري، أعلنت كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، إضافة إلى إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية كافة، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية.
حتى اليوم، يعتبر الموقف المصري إزاء قطر من المواقف الأكثر حدة بين الدول المقاطعة، تحت العنوان العريض للدعم القطري للإرهاب. وهنا، نحاول البحث في تفاصيل الحسابات المصرية، وعلاقاتها بالتوازنات الإقليمية والدولية...
المؤكد أن العنوان العريض الذي تعلنه مصر في مواجهتها لقطر، له وجه حق في الكثير من جوانبه، لكن المؤكد أيضاً أن حسابات مصر هنا لا تقتصر على هذا الجانب، كون قطر تعتبر «الحلقة الأصغر» في سلسلة داعمي الإرهاب إقليمياً ودولياً، وبتعبير آخر، تعتبر قطر بؤرة إقليمية من منظومة دولية تدعم «الفاشية الجديدة»، ومركزها بالتأكيد ليس قطر، بل ضمن أوساط النخب السياسية في الغرب والولايات المتحدة...
مقاصد داخلية وإقليمية
انطلاقاً من حقيقة أن قطر مرعية أمريكياً بالدرجة الأولى، وبما أن الانقسام داخل الإدارة الأمريكية والنخب السياسية هناك يمتد على كل الملفات داخلياً وخارجياً، يمكن القول: إن ملف الأزمة القطرية الراهن يخضع أيضاً لهذا الانقسام الأمريكي، والدليل هو تضارب التصريحات الأمريكية، وعدم وضوح الموقف الأمريكي من الاصطفاف وراء أحد الطرفين «الخليجي المصري – القطري»، فواشنطن في طور الاستغلال والاستثمار في الدور السعودي، إلى الحد الأقصى، وفي الوقت نفسه، لا تريد خسارة حليف «سياسي- مالي» بين ليلة وضحاها كرمى لعيون السعودية، لأن تفريغ قطر من دورها الوظيفي المرسوم أمريكياً، هو خسارة جديدة لواشنطن بالنتيجة، بغض النظر عن المفاضلة الأمريكية بين السعودية وقطر.
لكن ما يهمنا هنا: هو الموقف المصري تحديداً، فمصر تحاول الاستثمار في حالة انعدام الوزن الحاصلة في الملف القطري، أي: عدم قدرة واشنطن على حسم خيارها اتجاه حلفائها الخليجيين، وبالتالي، ترفع مصر من مستوى المواجهة إلى حدودها القصوى، كمحاولات إخراج قطر من «التحالف الدولي» لمكافحة الإرهاب، أو الدعاوى القضائية للتحفظ على أملاك وأموال قطرية في مصر، إضافة إلى حملات التشهير الإعلامي المكثفة، وبالمحصلة، محاصرة قطر سياسياً كونها قادرة على الصمود الاقتصادي لفترات مديدة.
هذا الحصار السياسي من وجهة النظر المصرية، يمكن تفنيده ضمن عنوانين عريضين:
الأول: مرده الامتداد الواسع لقطر تحديداً في المحيط المصري، أي: في ملفات ليبيا والقضية الفلسطينية والسورية، التي تعتبرها مصر ملفات تمس أمنها القومي بشكل مباشر، فمصر بإضعافها لامتدادات قطر الإقليمية، من الممكن أن تعجل مثالاً إنهاء الأزمة الليبية المؤرقة للمصريين، باعتبار أن قطر داعم رئيس لقوى سياسية نافذة ومعرقلة للحل السياسي في طرابلس كالإخوان المسلمين، وتنظيمات مسلحة مناهضة للجيش الليبي المدعوم دولياً بقيادة اللواء خليفة حفتر، كما ترغب مصر استبعاد كل من قطر وتركيا عن ملف القضية الفلسطينية، طالما أن حل القضية الفلسطينية في نهاية المطاف يتعلق بمصالح مصر الإقليمية، سياسياً وأمنياً، وكذا فيما يخص ملف الأزمة السورية.
الأمر الثاني، متعلق ببقايا النفوذ السياسي- الاقتصادي للإخوان المسلمين داخل مصر، والذي تعتبر مجابهة قطر واحدة من أساساته بالنسبة للدولة المصرية.
بجانب السعودية ضد قطر
على هذا الأساس، وضمن منطق استعادة مصر لأدوارها الإقليمية من أيدي قطر، دخلت مصر المواجهة إلى جانب السعودية، لكن السؤال المطروح، هل السعودية أفضل حالاً فيما يخص تدخلاتها الإقليمية ودعمها للإرهاب؟
تبدو الحسابات المصرية فيما يخص مواجهة قطر موضوعية إلى حد ما، من وجهة نظر التوازنات والنفوذ الإقليمي للدول، باعتبارها دولة إقليمية كبيرة لها وجهة نظر، وتأثير في الملفات المحيطة بها، لكن في طريق الوصول إلى هذه الأهداف تبدو مصر عازمة على الاستفادة من السعودية من الناحية السياسية والمالية إلى الحدود القصوى، طالما أن السعودية تحتاج إلى مصر في شرعنة جزء من تحركاتها الإقليمية، وربما تكون هذه إحدى أكبر الوصايا الأمريكية للسعودية، فيما يخص استمالة مصر وإقحامها في تحالفات، هي بمثابة حقول ألغام سياسية وأمنية برعاية واشنطن.
هذه الاستفادة المرحلية لمصر من الوضع الإقليمي عموماً، والخليجي بشكل خاص، يضع مصر عملياً في حالة من «التوازن القلق»، أي: أن الأوضاع تبدو أفضل طالما أنها لا تتدهور بسرعة..!
لكن إذا ما نظرنا إلى التحالف المصري- السعودي، ضمن التغيرات العامة التي تجري بسرعة في الإقليم، فإن استقرار السعودية نفسه هو موضع شك، نتيجة سياساتها الخارجية، وبالتالي، فإن إمكانية الاستفادة المصرية «السياسية- الاقتصادية» من السعودية من المؤكد أنه لن يدوم طويلاً، طالما أن السعودية تعهدت بوظيفة «القائم بالأعمال الأمريكية» إقليمياً، بما في ذلك من حروب في اليمن وسورية، وعداء كبير لإيران، لا تريد واشنطن نفسها المجاهرة به.
ما البديل؟
ضمن السياق نفسه، يمكن السؤال أيضاً عن سبب توقف مصر عن جملة إجراءات داخلية كانت قد بدأت بها، ثم توقفت بجزئها الأكبر، والحديث هنا عن المشاريع الوطنية الكبرى، كمشروع قناة السويس الجديدة، واستصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، أو الاستفادة من العلاقات المصرية- الروسية في مجال الطاقة النووية والسياحة...
البديل لهذه البداية المصرية كان الأموال الخليجية في البنوك المصرية، إلى جانب قروض صندوق النقد الدولي، والتي كانت نتيجتها بالمعنى الاجتماعي، إبطاء التدهور في الوضع المعيشي للمواطنين المصريين، وليس تحسينه، ولا حتى إيقاف نزيفه، الخطورة تكمن هنا في إعادة سيناريو الأزمة السعودية- المصرية قبل بضعة أشهر، والتي أثرت مباشرة على الأوضاع الاقتصادية المصرية، والتي ربما تتكرر موضوعياً بأسباب جديدة، هي العجز السعودي المتزايد عن تمويل نفقاته الحكومية وحربه في اليمن.
في السياق ذاته، تعمل واشنطن وبتأثيرها على قوى الفساد داخل جهاز الدولة المصري، على استمرار زج مصر في تحالفات آنية، أشبه بحقل ألغام غير مضمون المسارات، وبالتالي، فإن إحدى المهمات الكبرى للقوى الحية ضمن جهاز الدولة المصري والمجتمع، هو العمل على ثنائية «ضرب الإرهاب والفساد معاً» في الداخل المصري، لتخفيف الضغط عن القرار السياسي في توجهاته، لتغدو أكثر وضوحاً واستقراراً في المرحلة المقبلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 819