وليُّ التزكية الأمريكية
أصدر ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، فجر الأربعاء 21/حزيران الحالي، أمراً بإعفاء محمد بن نايف، من ولاية العهد، ومن منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ومنصب وزير الداخلية، وتعيين ابنه محمد بن سلمان ولياً للعهد، وكذلك نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع، مع ما كلف به من مهام أخرى.
نحاول في هذا المقال الإضاءة على العوامل الأساسية التي أوصلت بن سلمان إلى ولاية العهد، على حساب بن نايف. وفي البداية، تجدر الإشارة إلى أن تحليل سياسات كل منهما نابعة من كونهما «ممثلين لتيارات نافذة داخل الأسرة الحاكمة السعودية»، وليس صراعاً شخصياً كما درج في معظم وسائل الإعلام.
لماذا بن سلمان؟
اقترن الصراع على ولاية العهد بالتزكية الأمريكية لأحد الأميرين، وهو ما لا يخفيه السعوديون قولاً وسلوكاً سياسياً، ولا حتى الصحف الغربية اهتماماً ومتابعة. لكن، وعلى طول الصراع، كان الانتقاء الأمريكي لأحد الأميرين أمراً صعباً، وتحديداً فيما يخص محمد بن نايف الذي لطالما تلقى الإشادة من الإدارات الأمريكية السابقة:
السبب الأول أن محمد بن نايف درس في إحدى جامعات ولاية أوريجون الأمريكية، وتدرب في مكتب التحقيقات الفيدرالية «FBI»، وخلال سنوات الخدمة في وزارة الداخلية السعودية كنائب لوالده حينذاك، اقترب من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية وأشرف على ملفات حساسة من بينها «مواجهة تنظيم القاعدة داخل السعودية»، وملاحقة المعارضين السعوديين وزجهم في السجون. وطوال عقد من الزمن على الأقل، استطاع بن نايف اكتساب ثقة أجهزة المخابرات الأمريكية، وأجزاء كبيرة من مراكز القوى في واشنطن. بالتالي، فإن التخلي عنه كولي للعهد ليس بالأمر السهل بالنسبة للنخب الأمريكية، التي عبَّرت مع ازدياد حدة الصراع السعودي عن مواقفها الأولية، من بوابة وكالة الاستخبارات الأمريكي «CIA»، التي كرمت بن نايف أثناء زيارته الرسمية إلى واشنطن في شباط الماضي، بحضور غريمه محمد بن سلمان.
السبب الثاني أقل أهمية، كونه يتعلق بمصالح مالية ضيقة سقفها عشرات ملايين الدولارات سنوياً، مقارنة بمستلزمات الولايات المتحدة الحالية كدولة، من الناحية الاقتصادية والسياسية وقضايا الإنفاق العسكري والطاقة إلخ..
الحديث هنا يدور عن تدفق أموال السعودية، في شرايين ما يسمى بـ«مجموعات الضغط» داخل الولايات المتحدة، والتي اعتادت الارتزاق من أموال السعوديين، ومن بين هذه المجموعات «SPG»، التي تديرها جماعة ضغط في واشنطن، حيث وقع بن نايف هذا العام، عقداً معها بقيمة 5.4 مليون دولار لمدة سنة واحدة لقاء تقديم توصيات تتعلق بالعلاقات العامة والإعلام لفائدة وزارة الداخلية السعودية، حسب دراسة في «POLITICO MAGAZINE» الأمريكية.
إذاً، ورغم هذه التعقيدات، كيف تخلت النخب الأمريكية عن بن نايف كخيار لولاية العهد السعودي في نهاية المطاف؟
العامل الرئيس الذي أبعد بن نايف عن ولاية العهد، لحساب بن سلمان، مرده مرة أخرى إلى الانقسام الحاصل في الإدارة الأمريكية، حيث إن الأدوار التقليدية التي كانت تلعبها السعودية في الفترة التي شهدت انقساماً أقل حدة مما هي عليه الآن، بحاجة إلى تغيير، ويبدو أن العقلية التي يعمل بها التيار المحسوب على بن نايف داخل المملكة لا تزال تشتغل على القواعد القديمة وعاجزة عن التناغم مع واقع الانقسام الأمريكي.
تقديم صكوك الطاعة
من بين السلوكيات التي أظهرها بن سلمان في الأشهر الأخيرة، زيادة العداء لإيران بتصريحات، وصلت حد القول بـ«نقل الصراع إلى داخل إيران»، وبغض النظر عن واقعية مثل هذه التصريحات من عدمها، فإنها بدت في حينها رسالة واضحة لواشنطن، بأننا سنمثل بالموقف السياسي، ما لا تريدون المجاهرة به بعد أن وقعتم الاتفاق النووي مع إيران.
من جهة أخرى، يؤكد التظهير والتركيز الإعلامي العربي لمحمد بن سلمان أثناء زيارة ترامب الأخيرة إلى الرياض، واحدة من الإشارات على أن تلك الأموال الهائلة التي قدمتها السعودية لأمريكا هي بالمضمون رشاوى لولي العهد الجديد ونخبته الحاكمة اليد العليا في تقديمها.
وفي الزيارة ذاتها، حاولت السعودية إعلان نفسها كقوة إقليمية قادرة على تشكيل التحالفات وإعلان البيانات، بغض النظر عن مستوى فاعلية هذه التحالفات وثباتها، لكن على أقل تقدير هي حالة جديدة تحتاجها واشنطن.
العامل الاقتصادي
إلى جانب ذلك، وفيما يخص إشراف بن سلمان على «رؤية المملكة 2030»، فيبدو أن مقصد هذا المشروع في أمرين أساسيين: الأول إعلان نموذج اقتصادي معتمد على الاستثمارات الأجنبية، ويوازي بذلك حالة تدفق الاستثمارات الداخلة إلى إيران من قبل الغرب تحديداً، أي أن السعودية تريد أن تكون مركز اهتمام غربي يقلل الانفتاح الغربي على الاستثمار في إيران.
ومن جهة أخرى، يمكن اعتبار مشروع تغيير الاقتصاد السعودي هذا، بوابة رشاوى مفتوحة وشرعنة قانونيةً، إذا ما نظرنا إلى نوايا بيع أسهم أرامكو الحكومية، وخصخصة قطاعات ذات طابع اجتماعي في المملكة. والسؤال المطروح هنا، هل السعودية قادرة على تحمل عبء الأدوار الأمريكية رغم ثقلها؟
يبدو أن تطور الأحداث بالمجمل في المنطقة، سيحمل الإجابة عن قدرات السعودية في تبني هذه الالتزامات، لكن الجدير بالقول أن مثل هذا التبني إن استمر وراكم المزيد من التهور السعودي إقليمياً، في اليمن وسورية وغيرها من الملفات، قد يعيد ظاهرة «دولة قطر»، لكن هذه المرة بحجم وتداعيات أكبر تتناسب مع وزن السعودية ومكانتها الإقليمية!
شرط واشنطن
ترغب واشنطن في تغييرات سياسية سعودية تنقلها، أي السعودية إلى موقع الحليف الجاهز للصدام السياسي والعسكري، أو بالحد الأدنى الحليف القادر على إنتاج التوترات المستدامة في المنطقة، لكن بشرطٍ أساسي، وهو فهم الانقسام الأمريكي، والعمل بمقتضى نتائجه وتقلباته، وهو ما يبدو أن ثمة في واشنطن من يرى أن بن سلمان أقدر على القيام به، لا سيما أن الأخير قد ركز على تقديم ولاءات متعددة الجوانب لفتت إليها أنظار النخب الأمريكية الحاكمة بجزئها الأكبر، ليحسم الصراع إلى مصلحته
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 816