الفرصة الفنزويلية لا تزال قائمة

الفرصة الفنزويلية لا تزال قائمة

تستمر المواجهات في الشارع الفنزويلي منذ بداية نيسان الماضي، وأسفرت عن مقتل العشرات وجرح الآلاف كنتيجة لأزمة سياسية واقتصادية خانقة تهدد السلم الأهلي وتفتح المجال للاستثمار الخارجي في حالة الفوضى القائمة اليوم، وهو ما يضع الحكومة الحالية، في مواجهة تحديات ربما تكون الأكبر في تاريخها...

اشتعل فتيل الأزمة السياسية في نهاية تشرين الأول الماضي، بعد تصويت الجمعية الوطنية «البرلمان»، ذات الأغلبية اليمينية المعارضة للحكومة الحالية، على بدء عملية عزل الرئيس نيكولاس مادورو من منصبه، ليأتي الرد لاحقاً من قبل المحكمة العليا بأن قرارات البرلمان لاغية، وهو ما دفع المعارضة للنزول إلى الشارع، ونقل الأزمة في البلاد إلى مستوى أكثر تعقيداً، بعد الهزة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها البلاد منذ حزيران/2014، نتيجة انخفاض أسعار النفط...

عن الاختناقات الاقتصادية
يعاني الاقتصاد الفنزويلي من انخفاض الاحتياطيات النقدية بشكل حاد، ليصل هذه الفترة إلى 10 مليارات دولار، بعد أن كان 30 مليار في عام 2011، و20 مليار في العام 2015. معظم هذه الاحتياطات من الذهب، وحتى أن المتبقي من الاحتياطيات هو في حكم المدفوع حيث تدين فنزويلا بـ6 مليارات دولار مدفوعات دين لهذا العام. وعلاوة على ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي أن هذا العام سيشهد ارتفاعاً في نسبة التضخم إلى 720%، والبطالة إلى 25%.
وتعتبر هذه الأرقام هي الأسوأ في تاريخ فنزويلا المعاصر، بعد أن كانت الدولة الأغنى في قارتها، ويعود ذلك إلى اعتماد الاقتصاد الفنزويلي بـ95% من إيراداته على قطاع النفط، لكن حتى في ظل واقعية النتائج والأرقام بالنسبة لهذا النوع من الاقتصادات المعتمد على قطاع وحيد نوعي، إلا أن الضغوط السياسية المستمرة من قبل المعارضة ونقل الصراع إلى الشارع قد يؤدي إلى نتائج سلبية إضافية، نتيجة الانقسام الحاصل حالياً في الشارع بين مناصري مادورو، ومعارضيه الذين استفادوا سياسياً من حالة التخبط التي تعيشها الحكومة الحالية. إذاً أين تكمن الحلول، التي في الواقع لا تبدو مروحتها واسعة بالنسبة لفنزويلا؟
عين على الشركات الأجنبية
ربما هي خطوة متأخرة نسبياً بالنسبة للاشتراكيين في فنزويلا، لكنها بدأت فعلياً رغم التحديات التي يمكن أن تواجهها، والحديث هنا يدور عن تأميم الدولة للقطاعات الإنتاجية المملوكة من قبل الشركات العابرة للقارات وتحديداً الشركات الأمريكية.
في هذا السياق، شهد شهر آذار الماضي، انتصاراً صغيراً لكنه مهم ومشجع بالنسبة للتوجهات الحكومية، تمثل بإلغاء حكم أصدرته الهيئة الدولية للتحكيم في العام 2014، كان يقضي بدفع 1.4 مليار دولار لمجموعة «إكسون موبيل»، بعد تأميم حقل «سيرو نيغرو» النفطي عام 2007، والذي كانت تستثمره الشركة الأمريكية المذكورة والتي يرأسها وزير الخارجية الأمريكي الحالي، ريكس تيلرسون. وفي شهر نيسان الماضي أيضاً، أممت فنزويلا، شركة تجميع السيارات الأمريكية «جنرال موتورز»، الموجودة في منطقة فالنسيا الصناعية.
هذه المعركة المعقدة مع الشركات العابرة للقارات، ليست بالأمر الهين على الحكومة الفنزويلية، ومن الممكن أن الولايات المتحدة ستمنع وجود هذا النوع من السياسات فيما يسمى «حديقتها الخلفية»، وعليه يمكن القول أن واشنطن تهدد عملياً بالتأثير على الأزمة الحالية بشكل مباشر وعلني، بعد أن أعلنت على لسان مسؤول كبير في البيت الأبيض، أن واشنطن قد تستهدف شركة النفط الوطنية «PDVSA»، ضمن حزمة عقوبات على قطاع النفط الفنزويلي، في خطوة غير مسبوقة، وتعد خطوة سياسية إلى جانب محاولات واشنطن نقل الملف الفنزويلي إلى مجلس الأمن الدولي، وهو ما رفضته روسيا على لسان المتحدثة باسم خارجيتها، ماريا زاخاروفا، التي قالت: إن «الوضع في فنزويلا لا يهدد السلم والأمن الإقليميين»، لتطرح موسكو بالمقابل مبادرة تطبيع الوضع الداخلي، بديلاً عن الطرح الأمريكي حول نقل الملف إلى مجلس الأمن.
البدائل المتاحة
نتيجة لأزمتها الخانقة، وضرورة البحث المستعجل عن الموارد، قامت الحكومة الفنزويلية ببيع سندات أصدرتها شركة النفط الوطنية الفنزويلية لطرف ثالث في السوق الثانوية، وكانت من نصيب «غولدمان ساكس» الأمريكية، إحدى أكبر شركات وول ستريت، التي اشترت ما قيمته 2.8 مليار دولار من السندات المطروحة، وذلك رغم الانتقادات التي واجهتها الشركة الأمريكية من معارضي الحكومة في البرلمان الفنزويلي.
مثل هذه الحلول السريعة بالنسبة للحكومة الفنزويلية، تعمل على النقيض مع سياسات التأميم واستعادة الاستثمارات الكبرى في البلاد إلى كنف الدولة، ومن الممكن القول إن بحث الحكومة الحالية عن موارد مالية غير تلك المعتادة من توريدات النفط، هو أمر ضروري لكن بالبحث قليلاً في الإمكانات المتاحة لفرص الاستفادة من هذه الاستثمارات، تبدو الصين مثلاً مقبلة وبقوة اتجاه أمريكا اللاتينية بالعموم، وعلى الحكومة الفنزويلية البحث جيداً في فرص الاستفادة من العلاقات مع هذه القوة الاقتصادية الصاعدة دولياً، بديلاً عن الفضاء الاقتصادي الأمريكي التقليدي الذي يعمل على الابتزاز والضغط المستمر اتجاه تأجيج الأوضاع أكثر في البلاد، بالتصريحات المستمرة للمسؤولين الأمريكيين حول الأوضاع في فنزويلا، والتضييق الإعلامي على الحكومة، كحجب موقع تويتر عشرات آلاف الحسابات ومنها الناطقة بلسان الحكومة، والتي تعد قنوات تواصل مستمرة بين حكومة الرئيس مادورو والشارع الفنزويلي.
فنزويلا في هذه الظروف، مدعوة للعمل على تجذير سياساتها الاقتصادية التي بدأها هوغو تشافيز، والتي من ضمنها إعادة ترتيب علاقاتها الدولية اقتصادياً وسياسياً، لملاءمة التغيرات الكبرى في خريطة الاقتصاد العالمي، فإن كانت المراحل السابقة، تجبر الحكومة على خيارات محددة في علاقاتها الاقتصادية، فإن المرحلة الحالية تسمح بتوسيع الخيارات، وربما تكون الأزمة الحالية، أحد الدوافع المعجلة في تغيير شكل الاقتصاد الفنزويلي، وحتى تنويع مصادر دخله.

روسيا تمد يد العون
أبدت روسيا استعدادها لإرسال 60 ألف طن شهرياً من القمح شهرياً إلى فنزويلا بعد النقص الحاد في الغذاء. وأعلنت وزارة الخارجية الفنزويلية الشهر الماضي، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعد نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال مكالمة هاتفية، بإرسال القمح الروسي شهرياً ابتداءً من هذا العام.
في السياق نفسه، عرضت شركة النفط الحكومية «PDVSA» على شركة النفط الحكومية الروسية «روسنفت»، نسبة 10% من مشروع تم تطويره لاستخراج النفط الثقيل من «حزام أورينوكو» النفطي الواقع شرق فنزويلا، والذي يحوي احتياطات هائلة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
816