إضراب الكرامة: التصعيد الموازي ضمانة الحراك
تخطى الأسرى المضربون عن الطعام في سجون الاحتلال الصهيوني أسبوعهم السادس، بإصرار وعزيمة ودون تقديم أية تنازلات للعدو، رغم خطورة الأوضاع الصحية التي يعانيها المضربون، والإجراءات الوحشية التي تقوم بها «مصلحة السجون» وجيش الاحتلال و«الشاباك» بحقهم، وبحق عوائلهم والمتضامنين معهم...
حسب تقرير مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، دخل بعض الأسرى المضربين عن الطعام حالة من هبوط حاد في الوزن وصعوبة في الحركة وحالات إغماء متكررة، علاوة على أوجاع المفاصل والكلى. وبحسب التقرير الصادر يوم الخميس الماضي، 25/أيار، فإن إدارة سجون الاحتلال نقلت يوم الأربعاء 24/أيار، العشرات من الأسرى المضربين عن الطعام إلى المستشفيات المدنية، بعد دخولهم مرحلة الخطر...
كلمة المضربين هي الأعلى
من أفواه المضربين ورسائلهم المنقولة، إلى وسائل الإعلام وخيام التضامن، ومنها إلى الشارع الفلسطيني الملتف حول قضية أسراه باعتصاماته وإضراباته واشتباكه مع جيش الاحتلال...
القيادي الأسير كريم يونس: «ذاهبون نحو تصعيد خطواتنا النضالية... نحن مصممون على إتمام المهمة على أكمل وجه، فالمعركة بأبعادها ليست معركة أسرى ومطالبهم فقط، بل معركة شعب وكرامته»، 23/أيار من «سجن الرملة».
الأسير خليل أبو عرام: في آخر زيارة حضرها وهو يعاني من صعوبة في الحركة والتنفس والكلام، قال كلمة واحدة: «مستمرون».
الأسير ناصر عويص: «كلما أمعنت إدارة السجون في إجراءاتها، ازددنا إصراراً على مواصلة المعركة».
رسالة أسرى سجن «هداريم»: «مستمرون في المعركة، ولا حوار إلا مع قيادة الإضراب»، 21/أيار الفائت.
من سجن عسقلان في اليوم الـ«34»، من الإضراب: «عن أجسادنا لا تسألوا فلقد خانتنا وتهاوت منذ أيام، أما عن أرواحنا وإرادتنا نطمئنكم فهي بخير، صامدون كما الصخر في عيبال والجليل... عاهدنا أرواح الشهداء ألا تكون هذه المعركة إلا شمعة انتصار ونضيؤها بأرواحنا وأجسادنا على درب الحرية والاستقلال».
هذه اللوحة مستمرة على مدار الساعة، ولأكثر من أربعين يوماً، ما يسمح لنا باستنباط جملة من القضايا حول مزاج الشارع الفلسطيني المتشكل بعد الإضراب، ونظرته إلى أدوات النضال اتجاه نيل حقوقه المشروعة...
التصعيد الموازي:
أبعد من مطالب مشروعة
جرت محاولات حثيثة لتحجيم الإضراب، من حيث جديته وإمكانية استمراره، ومن جهة أخرى تحجيم مطالبه بدعوى أنه إضراب لـ«تحسين أوضاع الأسرى» أحياناً عن غير قصد، وكثيراً عن سابق إصرار وتصميم. لكن من السهولة بمكان عند مطالعة مواقف الأسرى المناضلين وبياناتهم، أن نجد أن مخاوفهم على أبناء شعبهم وحثهم على النضال ومقاومة الاحتلال هي مضامين تطغى بوضوح على مطالبهم التي أوردوها في بداية الإضراب.
القضية الأهم التي بدأت تتوضح أكثر فأكثر، هي التفاف الأسرى المضربين حول قيادات الإضراب، بوصفها قيادات وطنية لا يهم إن تنصلت من انتماءاتها السياسية أم لا، لكن المهم أنها تلتزم خطاباً شعبياً، وبسلوكها داخل السجون، تؤسس لمرحلة جديدة من قيادة العمل النضالي الفلسطيني، بعد أن سبقت هذه القيادات بسلوكها ونشاطها جميع الفصائل السياسية التقليدية، مقتربة من نبض الشارع الفلسطيني. كما أن الثقة داخل السجون باتت أكثر ثباتاً ورسوخاً رغم كل محاولات الشيطنة من قبل العدو، فهي تتقاسم آلام المعركة مع باقي المناضلين داخل المعتقلات.
«الأجساد قد تكون تهاوت وبالكاد تكون قادرة على حملنا، إلا أننا مصممون على الاستمرار حتى انتزاع النصر، مما يتطلب تصعيداً موازياً من شعبنا وجماهيرنا لتصعيدنا، ولتأخذ المعركة كل مداها»، بهذه الكلمات، اختزل عميد الأسرى، كريم يونس، وأحد قادة الإضراب المعتقلين منذ 35 عام، الحقيقية القائلة إن أبعاد المعركة أكثر من مجرد مطالب، وإن تصعيداً موازياً من شأنه قلب الموازين في الداخل الفلسطيني بما يضمن استمرارية الحراك الشعبي، في اللحظة التي يفتح فيها الظرف الموضوعي أبوابه لحل القضية الفلسطينية «من خارج الصندوق» الذي تحاول أن تفرضه القوى السياسية المترهلة.
نعم، المضربون في السجون قادة حقيقيون، لكن تثمير نضالهم الوطني، لا يكتمل ما لم تجد القوى الحية في الشارع الفلسطيني أدوات تنظيمها ونضالها الموازي لنضال الأسرى المضربين، وعمليات الشبان في الضفة الغربية، وأراضي 48.
خارطة العمل النضالي في فلسطين ترتسم اليوم بآلام هؤلاء فقط، لذا، فإن المضي جنباً إلى جنب مع حراك الأسرى بحق، هو برنامج وطني مقاوم يرص الصف اتجاه مرحلة جديدة من المواجهة مع كيان الاحتلال.
التقاط الراية
أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في زيارته مؤخراً إلى كيان الاحتلال، على وجود «فرصة للسلام»، دون أن يأتي على ذكر الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين على الإطلاق، ودون أن يقدم طرحاً لخطة بديلة عما حاولت الإدارات الأمريكية السابقة الوصول إليه، أي فكرة «حل الدولتين»، وربما إن ترامب لا يريد أن يتبنى هذه الخطة وهو غير الضامن لإمكانية نجاحها من عدمه، وهي الأقرب إلى الفشل في ذلك.
وعدا ذلك، لم يأتِ ترامب بالكثير لكيان الاحتلال المأزوم، سوى الوعود ونوايا الدعم الواسع له، أي إن هذه الزيارة، وسابقتها إلى السعودية لم تغير من واقع حلفاء واشنطن في المنطقة، وما يطالب به كيان الاحتلال أثقل مما تستطيع واشنطن تبنيه أو القيام به.
بالمحصلة، فإن واشنطن لا تملك وحدها مفتاح حل القضية الفلسطينية، نظراً إلى التغيرات الجارية في واقع توازنات القوى في المنطقة والعالم، هذا فضلاً عن التوازنات الداخلية التي تشهد اليوم انقلاباً لغير مصلحة القوى التي كانت حتى الأمس القريب هي الحاملة موضوعياً لمشاريع التسوية المجحفة والتي لا تحمل حلولاً كاملة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
هذه الحقيقة القائمة على استعصاء حل القضية الفلسطينية بـ«الطريقة الأمريكية»، نتيجة توازنات القوى الدولية، يعني بالنتيجة انتقال ثقل هذا الملف مجدداً نحو الداخل الفلسطيني في المرحلة الحالية، مما يسمح بتثقيل حقوق الشعب الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، اعتماداً على برنامج عمل وطني مقاوم قد تكون «انتفاضة ثالثة» نشهد بوادرها.
هنا يمكن العودة إلى مسألة الإضراب، وأهميته من حيث التوقيت، وقدرته على التأثير في الشارع الفلسطيني، وإعلاء صوت الوطنيين الحريصين على تحصيل حقوق الشعب الفلسطيني، كل الحقوق.
*إن ما جرى خلال الأسبوع الماضي من طلب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس للإدارة الأمريكية بالتدخل «بما يضمن حقوق الأسرى وتحقيق مطالبهم الإنسانية»، هو مؤشر جديد على أن مثل هذا الاستجداء لتحصيل الحقوق من قبل السلطة، يؤكد تأخر سلطة أوسلو في فهمها لوقائع الأمور، وربما نقترب من لحظة تحسم فيه الجماهير خياراتها السياسية بعيداً عن سلطتها، اتجاه خيارات سياسية تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 812