انتخابات 2017: فرنسا تبحث عن ذاتها

انتخابات 2017: فرنسا تبحث عن ذاتها

مع موعد إصدار هذا العدد من «قاسيون»، يتجه الناخبون الفرنسيون، صباح الأحد 23/4، للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في ظل اشتداد المنافسة بين المرشحين الأربعة الأساسيين، وصعوبة التنبؤ بنتائج الانتخابات التي تجري وسط مشهد فرنسي مرتبك عنوانه العام: «البحث عن الذات».

 

ملفات شديدة التعقيد تلقي بثقلها على كاهل الاستحقاق الانتخابي الفرنسي: من ارتفاع أرقام البطالة والفقر لمستويات قياسية، وتصاعد الحراك الشعبي الداخلي، ومسألة المهاجرين، والموقف إزاء حالة التفكك الجارية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وصولاً إلى طبيعة العلاقات مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية...

من بين المرشحين الـ11 إلى الانتخابات الرئاسية، أربعة منهم يحتلون اليوم مربع المنافسة الفعلية. وقبل الدخول لتسليط الضوء على بعض النقاط الأساسية في طروحات المرشحين الأربعة، لا بد من الإشارة إلى أن ثلاثةً منهم على الأقل هم من خارج الأحزاب التقليدية المتعاقبة على الحكم، وجميعهم لم يستطع التغاضي عن المسائل الأكثر إلحاحاً على الساحة الفرنسية. غير أن الآليات تختلف بين من يريد التغطية على السياسات الخاطئة وإعادة إنتاجها من جديد، وبين من يبحث عن طروحات بديلة.

آمون: ليس لدى 

«الاشتراكي» ما يقدمه

لم تشكل نتائج نوايا التصويت التي حملتها استطلاعات الرأي مفاجأة على صعيد المرشح عن «الحزب الاشتراكي»، بونوا آمون، حيث انعكست حالة الإحباط والحنق ضد سياسات الحزب على حظوظ آمون في الوصول إلى المراكز الأولى، لا سيما أنه لا يخرج في خطابه عن السياسات العامة التي اعتمدها الحزب في الحكم داخلياً وخارجياً رغم تقديمه كممثل لأقصى اليسار داخل الحزب الاشتراكي. وهو ما دفعه نحو المرتبة الخامسة في استطلاعات الرأي، ليفصله عن المرشح الرابع (فرانسوا فيون) ما يزيد على عشرة نقاط (أي أكثر من عدد النقاط التي حصل عليها هو نفسه)..!

فيون: «الليبرالي الإصلاحي»

يحتل المرشح «الجمهوري»، فرانسوا فيون، رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس نيكولاس ساركوزي، 19% من نسب نوايا التصويت (المرتبة الرابعة). على الصعيد الاقتصادي، يتبنى فيون حزمةً كاملةً من السياسات النيوليبرالية، إذ يدعو إلى رفع سن التقاعد تدريجياً إلى 65، ورفع وقت العمل الأقصى الأسبوعي القانوني البالغ حالياً 35 ساعة، وإلغاء الضريبة على الثروات الكبرى، وتقليص القطاع العام وإلغاء 500 ألف وظيفة مدنية، وتقليص إنفاق الدولة على برنامج الرعاية الصحية الحكومي، ما حدا ببعض معارضيه إلى وصفه بمارغريت تاتشر.

وعلى الصعيد الأوروبي والسياسات الخارجية، يتبنى فيون خطاباً يدعو إلى «وضع حد» لتوسع حلف الناتو، واستئناف التعاون مع روسيا في مجال محاربة الإرهاب الدولي، الذي يراه على شكل «شمولية إسلامية». لكنه أيضاً يعمل على معاودة التفاوض حول اتفاقات شينجن من أجل ضبط حدود الاتحاد الأوروبي، وإلى سياسة تقضي بفرض قيود على الهجرة، مع تبني تدابير تحد من عمليات لم شمل العائلات ومن المساعدات الاجتماعية للمهاجرين ووقف منح الجنسية الفرنسية لهم.

ماكرون: «مرشح حزب المال»

يحتل المصرفي الاستثماري في بنك «روتشيلد أند سي»، ووزير الاقتصاد والصناعة السابق في حكومة مانويل فالس الثانية في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، وقائد حركة «إلى الأمام»، 22% من نسب نوايا التصويت، ليحتل المرتبة الأولى مناصفة مع المرشحة مارين لوبان، بعد أن هبط الاثنان بصورة مستمرة من عتبة الـ27% في شهر آذار.

خلال فترة وجوده في صفوف الحزب الاشتراكي، كان ماكرون مدعوماً من الجناح اليميني في الحزب، ويدعو اليوم في برنامجه إلى السوق الحرة، وخفض العجز في الميزانية بما يعنيه من خفض الإنفاق العام بالإضافة لتعديل قانون العمل بحيث يتم انتزاع ما تبقى من المكتسبات الاجتماعية في فرنسا، وإلى إجراء «خلطة» بين السياسات الضريبية والاجتماعية، وكذلك لتحقيق «المنفعة الاقتصادية» من تدفق اللاجئين، وإلى زيادة تمويل الدولة لوكالات الاستخبارات، وتخفيض الضريبة على الثروات الكبرى. وتجدر الإشارة إلى أنه يصف نفسه بأنه «ليس يمينياً ولا يسارياً»، بل «ليبرالياً يدعو إلى التضامن الجماعي». لكن ذلك لم يمنع الكثيرين من اعتباره مرشحاً عن «حزب المال».

يطالب ماكرون - الذي قاد في عام 2012 «المؤسسة الفرنسية- الأمريكية»، وهي منظمة مؤيدة للولايات المتحدة أسسها في السبعينيات عضوان أمريكيان في مجلس العلاقات الخارجية- بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، ويرى أن لديه «ما يكفي للدخول في حوار مع روسيا على قاعدة الاحترام».

لوبان: «الجبهة الوطنية

 سئمت التبعية»

لا تزال تحتل المرشحة عن حزب «الجبهة الوطنية»، مارين لوبان، المرتبة الأولى في نسب نوايا التصويت مناصفة مع المرشح إيمانويل ماكرون (22%). وقد طالت لوبان انتقادات كثيرة، نظراً لما يعتبره الكثيرون توجهات يمينية متشددة، لا سيما في الجوانب المتعلقة بالشق الديني.

خلافاً لماكرون، تنتقد لوبان التجارة الحرة، وتدعو إلى الحمائية التجارية، كما أنها تعارض عمليات الخصخصة التي طالت بشكل خاص قطاع البريد الفرنسي. وترفض لوبان اليورو، وتدعو إلى ترك العملة المشتركة، وترى أن صلاحية منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، قد انتهت.

تتعهد المرشحة عن «الجبهة الوطنية»، بانسحاب البلاد من حلف شمال الأطلسي، وتؤمن بأن العالم اليوم قد بات متعدد الأقطاب، وعلى هذا الأساس، تطالب فرنسا بمراجعة علاقاتها الجيوستراتيجية مع الولايات المتحدة، منتقدةً حالة التبعية التي أبدتها البلاد خلال الفترة الماضية للمشاريع الأمريكية. وفي الوقت نفسه، تدعو إلى إقامة شراكة متميزة مع روسيا، انطلاقاً من اعتبارات «حضارية، جيوستراتيجية، ومصالح أمن الطاقة في فرنسا». وتنتقد لوبان محاولات شيطنة روسيا، التي ترى أنها تجري من خلال بعض قادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تحاول إعادة فرض نظام الأحادية القطبية.

أما دعواتها إلى اتخاذ سياسات جذرية للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وإلى اعتماد مبدأ «فرنسا أولاً»، فيما يتعلق بالعمالة والرفاهية والإقامة،  وإعرابها المتكرر عن قلقها من «تصاعد الدكتاتورية الإسلامية في أوروبا»، فهو الجانب الذي يحظى بأكثر الانتقادات الموجهة إلى برنامجها.

ميلانشون: مرشح اليسار

يطالب المرشح اليساري عن حزب «فرنسا الأبية»، جان لوك ميلانشون، والذي لا يزال يحقق تقدما غير مسبوق في استطلاعات الرأي حول نسب نوايا التصويت، ألا تكون فرنسا جزءاً مشاركاً في التحركات الإمبراطورية للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في أداتها العسكرية لفرض الهيمنة المتمثلة بحلف شمال الأطلسي، الذي جرى بناؤه من قبل الولايات المتحدة.

ويشدد ميلانشون على تباين المبادئ والأهداف لكل من فرنسا والولايات المتحدة، ويرفض مشاركة فرنسا في أية تحالفات عسكرية دائمة، باستثناء عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة. وبينما يدعو إلى إعادة التفاوض حول العلاقات مع الاتحاد الأوروبي الذي يرى أن المبادئ النيوليبرالية قد أفسدته، يرى ضرورة انخراط بلاده ببنك التنمية التابع لمنظمة بريكس، وبناء تحالف عالمي جديد مع المنظمة ذاتها، على أن يكون هذا التحالف مفتوحاً للجميع، ومستنداً إلى استقلال كل دولة من أعضائه.

وعلى الصعيد الداخلي، يطالب ميلانشون بإنهاء ما يصفه بـ«الحكم المطلق الرئاسي» في فرنسا، داعياً لإقامة الجمهورية الفرنسية السادسة، عبر صياغة دستور جديد، وخفض صلاحيات الرئاسة في مقابل رفع صلاحيات البرلمان. ويدعو ميلانشون إلى زيادة الضريبة على الثروات الكبرى، وإلى استحداث حوالي 200 ألف فرصة عمل، وإعادة توزيع الثروة على نطاق واسع بما يضمن العدالة الاجتماعية والحد من التفاوت الاقتصادي، وإنفاق الدولة بشكل كامل على برامج الرعاية الاجتماعية. 

وفيما يتعلق بمسألة اللجوء، فيدعو ميلانشون إلى معالجة أسباب اللجوء، المتمثلة بالحروب والمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول، وعلى هذا الأساس، أكد أنه على فرنسا أن تنتهج سياسة سلم عالمي وتعاون اقتصادي تضامني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
807