النووي الإيراني: خلف الخطب الأمريكية واقع مختلف؟
استكمالاً لما بدأه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حملته الانتخابية من هجوم كلامي محموم ضد الاتفاق النووي الإيراني، و«وعيده» بإلغاء الاتفاقية، تستمر الإدارة الجديدة بهذا النهج، كما عملت على تصعيده مؤخراً، بعد إجراء إيران لتجربة إطلاق صاروخ باليستي في 29/كانون ثاني الماضي.
تصعيد اللهجة الأمريكية اتجاه هذه الحادثة، تتمثَّل بعقوبات على شركات وأشخاص إيرانيين ذوي صلة بـ«الحرس الثوري الإيراني»، ولم تمس عملياً الاتفاق النووي الإيراني، أي أن الرد جاء أقل بكثير من الوعود الأمريكية، وهنا، يمكن البحث أكثر في جدية واشنطن اتجاه إلغاء الاتفاق النووي، كما يظهر في خطابها الرسمي والإعلامي.
واحة الاستثمارات في إيران
بالنظر إلى الضرورات الإيرانية في التنمية بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، واعتماد إيران طوال فترة العقوبات على قطاع الدولة بشكل أساسي في إدارة العمليات الاقتصادية، لكن ضمن أرقام نمو منخفضة جداً ومعدلات تضخم وصلت بنهاية 2016 إلى 30%، مقارنةً بمعدلات العام 2015، وهذه نتائج موضوعية لحالة الحصار الغربي الجائر الذي يمس الشعب الإيراني أولاً.
وفي مقابل هذه الضرورات الإيرانية، تظهر شهية الشركات الغربية اتجاه حيازة الشركات الغربية لعقود الاستثمار في إيران، في مجالات الطاقة والصناعات الثقيلة، بشكل أساسي، وغيرها من المشاريع التنموية، لكن حالة التوتر التي تحدثها الولايات المتحدة منذ اليوم الأول، بعد الاتفاق النووي الإيراني وحتى اليوم، تعرقل إلى هذا الحد أو ذاك، تيسير العلاقات الاقتصادية بين إيران وباقي دول العالم، ورغم ذلك يمكن الإشارة إلى جملة من الاتفاقيات التي استطاعت إيران إبرامها مع شركات كبرى، كما هو الحال في توقيع صفقة مع شركة «توتال» الفرنسية التي تعد الأولى بعد رفع العقوبات عن إيران، والتي أبرمت بموجبها، شركة «النفط الوطنية الإيرانية»، مع «توتال» اتفاقاً مبدئياً لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي بقيمة 4.8 مليار دولار، حيث ستملك الشركة الفرنسية حصةً قدرها 50.1%، على أن تملك شركة «النفط الوطنية الصينية» و«بتروبارس» التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية، 30% و19.9% على التوالي، فضلاً عن اتفاقيات أخرى مع شركتي «بوينغ» الأمريكية، و«إيرباص» الفرنسية التي تبلغ قيمتها حوالي 18 مليار دولار، رغم المخاوف من عدم إتمام الصفقة بسبب سياسات العقوبات المفروضة أمريكياً على الشركات الأمريكية المتعاملة مع إيران في الشهرين الثاني والثالث من هذا العام، لكن التوقعات تشير إلى مرور الصفقة رغم التصعيد الأمريكي لما تحمله صفقتي «إيرباص»، و«بوينغ»، من إنعاش في التوظيفات داخل أمريكا، بعد أن أعلنت بوينغ أنها ستوفر 100 ألف فرصة عمل، في حال تمت الصفقة، والجدير بالذكر أن شركة إيرباص الفرنسية- الأوروبية، معظم قطعها منتجة أيضاً في الولايات المتحدة.
هذه الاتفاقات التي اقتربت من التنفيذ، تشير إلى ممانعة أمريكية أقل لاندماج إيران في منظومة الاقتصاد العالمي، تحديداً فيما يخص تمرير الاستثمارات الغربية الكبرى، كما أن التبادل التجاري بين إيران والولايات المتحدة ذاتها، وصل في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي إلى 177مليون دولار، تتضمن بشكل أساسي الأغذية والأدوية، ذلك بحسب «إدارة الإحصاء الأمريكية».
إذاً، في أي سياق يمكن وضع التصريحات العدوانية لإدارة ترامب اتجاه إيران؟ وهل هي مصرة على استمرار محاولة عزل إيران اقتصادياً وسياسياً؟ أم أن هذه التصريحات تأتي في سياقات أخرى غير ذلك؟
عالم أكثر انفتاحاً
المؤكد أن الولايات المتحدة لا تفكر في تعزيز علاقاتها بشكل كامل مع إيران، والمؤكد أيضاً أنها ستحاول في كل فرصة إضعاف إيران كقوة اقتصادية وسياسية صاعدة في المنطقة، لكن ضمن إمكانيات الإدارة الأمريكية، التي تفرضها عليها موازين القوى الدولية والإقليمية، وجملة المشاكل الملقاة على عاتق الإدارة الحالية داخلياً وخارجياً، تحاول الولايات المتحدة استخدام ورقة «العداء لإيران»، لتثبيت عزيمة حلفائها الإقليميين، الذين أدمنوا الدور الأمريكي في المنطقة، ذلك بغرض التحكم قدر المستطاع بالتغيرات الإقليمية من بوابة الحلفاء والمشاركة في ترتيب أوراق المنطقة، في هذه المرحلة التي تشهد انسحاباً تدريجياً للولايات المتحدة من المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الفرق الكبير بين مستوى التصريحات الرسمية الأمريكية، والسلوك اتجاه إيران الذي يبدو أقل حدةً عملياً، يدل على انخفاض قدرة واشنطن على الدخول بقوة في صراع مكلف، لا تستطيع حساب نتائجه وتحمل تبعاته المحتملة، وبالتالي فإن الحفاظ على رباطة جأش الحلفاء الإقليميين، ودفعهم للاشتباك السياسي والاقتصادي على أقل تقدير، هو ضرورة أمريكية تستدعي هذا الشكل من العلاقات الأمريكية-الإيرانية.
من جهة أخرى، فإن محاولات إبعاد الأوروبيين وغيرهم عن إيران، قد تشكل خطورةً على سياسات واشنطن في المنطقة مستقبلاً، والسبب يعود إلى عدم قدرتها على إمساك خارطة الاقتصاد العالمية بشكل كامل، نتيجة ظهور الصين وروسيا كنوافذ دولية لإيران اقتصادياً وسياسياً، وبالتالي فإن دخول استثمارات هذه الدول بقوة أكبر إلى إيران من شأنه أن يضعف التواجد الغربي إلى هذا الحد أو ذاك في مساحة واسعة من المنطقة، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً على الولايات المتحدة وبشكل أكبر على الدول الراغبة في الاستثمار في إيران، كواحة خصبة لإنعاش ما يمكن إنعاشه من اقتصادات هذه الدول المأزومة اقتصادياً.
التبادل مع الحلفاء
وفي سياق الحديث عن العلاقات الاقتصادية بين روسيا وإيران، فقد قفز حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران العام الماضي، بنسبة 70%، ليصل حدود 900 مليون دولار، وهو رقم قليل نسبياً، لكن تسعى الدولتان إلى تعزيزه، حيث أكد السفير الروسي في طهران، في آب/2016، على مواصلة الزخم في العلاقات الاقتصادية، كأحد مجالات التعاون ذات الأولوية بين البلدين. وفي إطار الاستثمارات الروسية في إيران، فقد قدَّر وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، قيمة عقود النفط والغاز التي من الممكن أن تشارك الشركات الروسية فيها بإيران، بنحو 20 مليار دولار، إضافة إلى ذلك، تسعى إيران لشراء 12 طائرةً مدنيةً من طراز «سوبر جيت 100»، الروسية.
في المقابل، بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والصين في العام 2016، 31 مليار و200 مليون دولار، بعد أن بلغ 33 مليار و800 مليون دولار، في العام 2015.
وبالنظر إلى تلاقي هذه الدول في الكثير من القضايا الدولية سياسياً، فإن الأفق يبقى مفتوحاً في الجوانب الاقتصادية، على أن تتعزز هذه العلاقات في المراحل المقبلة، وعملياً يمكن القول: إن سياسات الغرب المستفزة اتجاه إيران من شأنها أيضاً الدفع أكثر اتجاه تنسيق أوراسي أعلى على حساب علاقات اقتصادية تشق طريقها ببطء بين إيران، والدول الغربية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 800