أوروبا الشرقية: حل سلمي وتوازنات جديدة؟

أوروبا الشرقية: حل سلمي وتوازنات جديدة؟

تتغير موازين القوى في أوروبا الشرقية، بعكس ما يريده الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وكان ذلك واضحاً من خلال الهزيمة المرّة التي تكبدها الخيار العسكري في أوكرانيا، وهو ما كان يراهن عليه الغرب كثيراً.

بالإضافة إلى ذلك، تتقدم الجهود الروسية من أجل إيجاد حلول سياسية لأزمات استمرت لعقود، وشهدت حروباً على إثر تفكك الاتحاد السوفييتي، مثل: قضية إقليم ناغورني قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان، ومسألة إقليم بريدنيستروفيا في مولدافيا. إضافةً إلى وصول أنصار الاتحاد الأوراسي إلى السلطة في دول عدة.

وثيقة هلسنكي للحل السلمي

في نهاية شهر كانون الأول 2016، كانت مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، من أجل الحل السلمي لمسألة إقليم ناغورني قره باغ، قد دعت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ونظيره الأرميني سيرج ساركسيان إلى استئناف المفاوضات المباشرة حول تسوية نزاع قره باغ في أسرع وقت.

وصدر بيانٌ مشترك للرؤساء المندوبين من وفود البلدان في مجموعة مينسك، المعنية بتسوية النزاع في إقليم قره باغ، وهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيريه الأمريكي، جون كيري، والفرنسي، جان مارك إيرولت. وجاء في البيان الذي نقلته روسيا اليوم: «ستنظم البلدان الرؤساء المناوبون لقاءً بين رئيسي أرمينيا وأذربيجان عندما يكونان جاهزين لذلك. وإننا على قناعة بأن الرئيسين يجب عليهما البدء في المفاوضات بحسن نية في أقرب وقت ممكن.. الحوار المستمر والمباشر بين الرئيسين، والذي يجري تحت رعاية الرؤساء المناوبين، يعتبر عاملا أكثر أهمية في تعزيز الثقة وتحريك عملية السلام».

أكد البيان على دعوة رئيسي أرمينيا وأذربيجان إلى إبداء المرونة واستئناف المفاوضات بهدف ثابت للمضي قدماً نحو تحقيق السلام الراسخ على أساس الاقتراحات العملية الحالية.

اتفقت مجموعة مينسك على تسوية النزاع في إقليم قره باغ حسب المبادئ الأساسية لوثيقة هلسنكي الختامية، وهي: عدم استخدام القوة وسلامة ووحدة الأراضي والمساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير المصير، فضلاً عن النقاط الإضافية المقترحة من قبل زعماء البلدان الرؤساء المناوبين، بما في ذلك إعادة الأراضي المحيطة بمنطقة قره باغ، إلى السيطرة الأذربيجانية، والوضع الانتقالي لقره باغ والذي ينص على توفير ضمانات الأمن والحكم الذاتي، وممر يربط بين أرمينيا وقره باغ، وتحديد الوضع القانوني النهائي لقره باع في المستقبل من خلال التعبير الملزم قانونياً عن الإرادة وحق جميع النازحين داخلياً واللاجئين في العودة إلى أماكن إقامتهم السابقة، وضمانات الأمن الدولية، بما في ذلك عملية حفظ السلام.

يأتي ذلك تتويجاً للجهود الروسية في سبيل الحل السلمي لأزمة الإقليم منذ عام 1992، حيث بذلت مجموعة مينسك حول قره باغ التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا جهوداً لتسوية النزاع في المنطقة. وفي عام 1994، نجحت روسيا كدولة لها نفوذ على كل من باكو ويريفان في حمل أطراف النزاع جميعها «أرمينيا وأذربيجان وجمهورية قره باغ» على توقيع وقف إطلاق النار. ومنذ عام 1997 تتولى روسيا وفرنسا والولايات المتحدة رئاسة مجموعة مينسك بشكل دائم.

دستور جمهورية أرتساخ

أجرى إقليم ناغورني قره باغ تصويتاً على مشروع الدستور الجديد للجمهورية المعلنة من طرف واحد. توجه سكان الإقليم إلى مراكز التصويت يوم الإثنين 20 شباط الجاري، بينما أعلنت النتائج يوم الثلاثاء 21 شباط.

حسب النتائج المعلنة، فقد صوتت الأكثرية الساحقة من سكان الإقليم على مشروع الدستور الجديد، وأعلنت اللجنة المركزية للانتخابات أن مشروع الدستور الجديد حاز على نسبة 87.6% من أصوات المقترعين مقابل 9.7 صوتوا ضده حسب ما نقلته وكالات الأنباء. 

وطلب من الناخبين التصويت على تعديلات دستورية تؤمن الانتقال من نظام برلماني- شبه رئاسي إلى نظام رئاسي بالكامل، بالإضافة إلى تغيير تسمية الإقليم من جمهورية قره باغ إلى جمهورية «أرتساخ» حسب سبوتنيك. ووفقاً للدستور الجديد لهذه الجمهورية غير المعترف بها، سيختفي منصب رئيس الحكومة ويتولى الرئيس تعيين الوزراء دون تسمية وزير أول بينهم.

في أولى ردود الأفعال على محاولة استئناف النزاع في الإقليم كانت رئاسة مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا من أجل تسوية النزاع في قره باغ، «فرنسا وروسيا والولايات المتحدة»، قد وجهوا انتقادات شديدةً لإجراء الاستفتاء في هذه المنطقة، وهو ما قد يؤجج النزاع القديم بين أرمينيا وأذربيجان مرة أخرى، ويتناقض مع الجهود المبذولة للحل السلمي لهذه المسألة.

الحل السياسي في بريدنيستروفيا

كانت أزمة إقليم بريدنيستروفيا «ترانسنيستريا» قد حدثت عشية تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث أعلنت استقلالها عن جمهورية مولدافيا السوفييتية الاشتراكية عام 1990، وهو ما أدى إلى نشوب نزاع عسكري بين الجمهورية المعلنة من طرف واحد،  والحكومة المولدافية سنة 1992 على إثر قيام خطر توحيد مولدافيا مع رومانيا. 

بدأت الجهود الروسية لرعاية الحل السلمي في الإقليم منذ آذار 1992 توجت بوقف الحرب في تموز من العام نفسه ولكن بقيت مسألة الإقليم معلقةً دون حل، ومع وصول الرئيس فلاديمير فورونين «الحزب الشيوعي» إلى رئاسة مولدافيا لدورتين 2000- 2009 استمر وقف إطلاق النار وسياسة التعاون مع روسيا.

كادت الأوضاع أن تنفجر عدة مرات بسبب وصول القوميين الليبراليين إلى السلطة بين عامي 2009 – 2016، فقد صرح رئيس جمهورية بريدنيستروفيا غير المعترف بها ايغور سميرنوف: «بعد تفكك الاتحاد السوفيتي العظيم اضطررنا لبناء دولتنا المستقلة من أجل التصدي للنزعة القومية في مولدوفا. ونحن لم نتبع طريق أوكرانيا التي طلبت الانضمام لحلف الناتو. ولقد صوت شعبنا إلى جانب الاستقلال في استفتاء شعبي عام، وأبدى رغبته في العيش في فضاء مشترك مع روسيا الاتحادية، وهذا ما نسعى لترجمته الآن إلى الواقع».

وأبدى المسؤولون في الإقليم وكذلك الناس في الاستفتاءات التي جرت عدة مرات بعد 2014 عن رغبتهم في الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي، وفي شهر تشرين الثاني 2016، تمكن المرشح إيغور دودون من الفوز في الانتخابات الرئاسية في مولدافيا، الجمهورية السوفياتية السابقة، التي كانت تعيش أزمةً سياسيةً منذ أشهر بسبب فضائح الفساد، وفشل الحكومات المتعاقبة الموالية للاتحاد الأوروبي بامتصاص غضب الشارع، بالإضافة إلى فشلها في تنمية البلاد، بل وزادتها فقراً، إذ بلغ متوسط الأجور في مولدافيا 200 دولار شهرياً بسبب سياسات التقشف.

بعد فوز دودون، تم نزع علم الاتحاد الأوروبي عن مبنى رئاسة جمهورية مولدافيا، حيث أعلن الرئيس المولدافي الجديد في بيان له: أن العلم المولدافى سيكون هو العلم الوحيد الذى يرفرف فوق مبنى رئاسة الجمهورية من الآن فصاعداً. ويتبنى دودون سياسة التقارب مع روسيا والانضمام إلى الاتحاد الأوراسي.

مع وجود الأوراسيين في السلطة في مولدافيا وإقليم بريدنيستروفيا بات أفق الحل السلمي مفتوحاً وكذلك توفرت المرونة المطلوبة لحل مسألة عالقة منذ 1992 في منطقة شهدت نزاعات عسكرية وكادت تؤدي إلى صراع شبيه بما حدث في البلقان والقفقاس بتأجيج من الغرب.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
799
آخر تعديل على السبت, 25 شباط/فبراير 2017 15:51