السعودية تغرق أكثر: «ناتو عربي»
يمكن القول بوضوح بأن السعودية تعيش أسوأ لحظات وجودها الحديث. فأرض النفط المعتادة على شن الحروب بأموالها وبوكلائها- أو حتى بنفسها بشكل مباشر لمصلحة «الأمريكي»، ومصالح بقاء النخب الحاكمة- كانت قادرةً على تحقيق انتصارات ما هنا وهناك في مرحلة السيادة الأمريكية، قبل أن ينقلب الحال، وتصبح، هي ذاتها، بحاجة إلى العون.
يزداد انسداد الأفق الغربي عمقاً، في الوقت ذاته، الذي تتقدم فيه محاور عالمية جديدة جعلت عمليات الحسم غير ممكنة. وكلما همّت السعودية- التي رسم لها سادة واشنطن دور رأس الحربة- للخروج من المستنقعات، التي وجدت نفسها فيها، أعادها الأمريكي، من خلال الوعود، نحو مزيد من التصعيد، فبذلك فقط، تضمن الولايات المتحدة المماطلة، ريثما تستقر أمور الإدارة الجديدة.
اليمن في
معادلة التوازن الإقليمي
تاريخياً، كان لليمن موقعاً استراتيجياً هاماً، عاكساً في أحيانٍ كثيرة التقلبات الحاصلة في موازين القوى الدولية والإقليمية، حيث كان انقسامه بين شمال وجنوب، ومن ثم توحيده لاحقاً، انعكاساً لتلك التغيرات التي جرت في الأوزان الدولية والإقليمية.
لكن- ورغم المدّ الهائل للخليج في فترة السيادة الأمريكية- كان اليمن يملك، بحكم موقعة، استقلالاً سياسياً نسبياً يعود إلى الضغط الشعبي الهائل في مواجهة قوى التبعية. وكان النظام اليمني- منذ التسعينيات، وحتى الحراك الشعبي عام 2011- يحوي التيارات كلها التي انقسمت إبان الحراك وانفرزت وصارت في غير مواقعها حسب الظروف الدولية. فأعداء الأمس- أي حزب المؤتمر الوطني وأنصار الله- شركاء اليوم، وكذلك هو الحال مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، والقوى الانفصالية في جنوب البلاد. أما الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، فهو يستفيد من الوزن الإيراني، ولا يمانع في خدمة السعودية، لكن يبدو أن تلك الأخيرة لا تريد إعادة توظيفه. أما واشنطن فكل ما يعنيها هو المزيد من التورط السعودي في تلك الحرب، بهدف إبقاء شعلة نار تهدد السلم الإقليمي والدولي، وتشغل بها كل من روسيا وايران من طرف، وتحمل السعودية أوزار الدمار، الذي ألحقته باليمن، من طرف آخر.
12 مليار دولار و«ناتو عربي»
تحدثت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية عن مباحثات تدور بين إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإدارات عدد من الدول العربية لحشد حلف عسكري معاد لإيران، يزود الكيان الصهيوني بالمعلومات الاستخباراتية.
وأشارت الصحيفة الأمريكية- نقلاً عن مصادر حكومية عربية- إلى أن التحالف المحتمل سيضم بلداناً بينها السعودية والإمارات والأردن، على أن تلتحق به دول عربية أخرى في وقت لاحق من تشكيله، حسب الصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن الحلف المفترض سوف يقوم على غرار «حلف الناتو» من حيث مبدأ الدفاع المشترك، الذي يعتبر الاعتداء على أي بلد عضو فيه، اعتداءً على الحلف ككل، وأن العمل مستمر في الوقت الراهن على صياغة النظام الداخلي لهذا الحلف، حسب ما قالته الصحيفة التي لم تكشف عن مصادرها.
طبعاً السعودية التي تصدق مثل هذه الشائعات الأمريكية والتي ترمي إلى تخريب محاولات بعض الدول الخليجية بترتيب العلاقات مع إيران، عقب الزيارة التي قام بها الرئيس حسن روحاني إلى الكويت وعُمان، التي تمثل بوادر انفراج محتمل في العلاقات، وتسوية من الممكن الإعداد لها، لكن الرد الأمريكي على هذه المحاولة كان سريعاً، فـ«التسريب» الصحفي، ومن ثم الزيارة الأمريكية إلى تركيا، وزيارة أردوغان إلى الخليج، تهدف على الأغلب إلى منع الخليج من التوجه نحو سلام مع إيران، الأمر الذي صدقته السعودية التي رفعت أيضاً حدة التصعيد في تصريحاتها معلنة أنها ستقدم 12 مليار دولار إلى حكومة هادي لتعزيز وجوده على الأرض، بعد إعلان الأمم المتحدة بأن أكثر من سبع ملايين يمني مهددون بالمجاعة.
«هدايا» و«عطايا» السعودية لشراء النفوذ وبعض القوى الإقليمية لن يعطي أبداً ثماره، فالسعودية متورطة في اليمن حتى العظام، ولن تخرج من المستنقع اليمني إلا وقد استنفدت ثرواتها وقواها. وعليه، فإن الخروج في الأمس كان أفضل من الخروج اليوم، كما أن الخروج اليوم، سيكون أقل تكلفةً بكثير من الخروج في الغد، وإن غداً لناظره قريب..!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 799