أوكرانيا: مراوحة الخاسرين سياسياً وعسكرياً

أوكرانيا: مراوحة الخاسرين سياسياً وعسكرياً

بعد هدوء دام عدة أشهر، تعود أحداث الأزمة الأوكرانية إلى الواجهة. تصعيد واستفزاز عسكري في جبهات القتال من جانب سلطات كييف، تقاذف الاتهامات على وسائل الإعلام، انتقادات روسية لموضوع الحل العسكري للأزمة، ودفعٌ في اتجاه الحل السياسي.

 

في الجانب الآخر، يتواصل التراجع الاقتصادي الاجتماعي في أوكرانيا، وانخفاض العملة الأوكرانية «الهريفنا» أمام الدولار، وانخفاض القدرة الشرائية للناس، رغم اعتماد زيادة الأجور في قانون ميزانية العام 2017. 

تصعيد النزاع 

العسكري في دونباس

تؤكد تحليلات عدة: أن كييف قد خططت للتصعيد في منطقة دونباس مسبقاً، مشيرةً إلى أن تزامن التصعيد مع لقاء الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بتاريخ 31 كانون الثاني، ليس من قبيل الصدفة.

وقد أرسلت سلطات كييف قواتٍ إضافيةً، كما نقلت ذخائر إلى منطقة النزاع في دونباس قبل تصعيد الأوضاع هناك، بين 10 و23 كانون الثاني، أرسلت إلى منطقة العمليات العسكرية 16 قطاراً محملاً بالذخائر لراجمات الصواريخ، ومدافع عيار 152مم إلى محور دونتسك، بالإضافة إلى 3 كتائب تابعة لفوج «آزوف» المكون من القوميين، وتعزيز لواء الإنزال الجوي 46، و3 ألوية، وكتيبةً واحدةً لقوات المشاة الآلية في محيط دونتسك، إضافةً إلى 9 كتائب مدفعية، و6 كتائب راجمات صواريخ. وجرى نقل 28 جسراً عائماً إلى مقاطعة لوغانسك، ما يدل على خطط القيادة العسكرية الأوكرانية لعبور نهر سيفيرسكي دونيتس، بهدف شن الهجوم على قوات الدفاع الشعبي المحلية.

أدى هذا الاستفزاز العسكري الكبير إلى تصعيد النزاع العسكري في دونباس شرقي أوكرانيا، وخاصةً حول مدينة أفدييفكا القريبة من خط التماس، وقد تم إلقاء عشرات القذائف الصاروخية على الأحياء السكنية التي انقطعت عنها المياه والكهرباء، جراء اشتداد المعارك. وتبادل طرفا النزاع في شرق أوكرانيا الاتهامات بمحاولات اختراق الخطوط الدفاعية لبعضهما البعض.

والجدير بالذكر، أن السلطات الأوكرانية قد بدأت في نيسان 2014 عمليةً عسكريةً ضد جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، المعلنتين من طرف واحد، في شرق أوكرانيا. وتشير البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن النزاع أسفر عن سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل.

روسيا تدفع للحل السياسي

صرح مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، بأن السلطات الأوكرانية تسعى ليس لتطبيع الأوضاع في شرق أوكرانيا، وإنما إلى حل الأزمة الأوكرانية عسكرياً. 

وأورد تشوركين خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، حول التصعيد في شرق أوكرانيا، في الثالث من شباط، معطيات بعثة المراقبين التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي تشير إلى ارتفاع عدد انتهاكات نظام وقف إطلاق النار في منطقة النزاع، حيث بلغ عدد انفجارات القذائف التي تم رصدها، 10 آلاف و300 انفجار في اليوم.

وأشار تشوركين: إلى أن أي تصعيد خطير في دونباس يتصادف، وبشكل مدهش، مع جولات خارجية للقيادة الأوكرانية. وعلى ما يبدو، فإن كييف تأمل بأن تحافظ بهذه الطريقة على الأزمة، ضمن جدول الأعمال الدولي، وفي آن واحد أن تربط رؤساء دول جدداً بسياساتها المتهورة الرامية لتأجيج المجابهة.

وانتقد تشوركين نزوع سلطات كييف، إلى استعادة السيطرة على دونباس قبل البدء بأية تغييرات سياسية، داعياً إلى حل الأزمة الأوكرانية في إطار رباعية النورماندي، وفق اتفاقيات مينسك. 

من جهتها، صرحت كبيرة الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، يوم الاثنين 6  شباط: بأن الاتحاد على استعداد للعمل مع جميع الشركاء، من أجل التوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية.

وقالت موغريني للصحفيين في بروكسل، بخصوص الوضع في أوكرانيا، قبيل انعقاد مجلس الشؤون الخارجية، التابع للاتحاد الأوروبي: أعتقد أن الاتحاد الأوروبي يؤكد مجدداً موقفه، وسيعمل مع جميع الشركاء، بما في ذلك «صيغة نورماندي» لإيجاد سبيل لتسوية النزاع.

كما تصاعد الحديث الإعلامي والسياسي عن جمهورية القرم، ذات الحكم الذاتي التي انضمت إلى روسيا، ومطالبات بعض المسؤولين الغربيين إعادتها إلى أوكرانيا، وكان الرد الروسي حازماً حول الموضوع، بأنّ جمهورية القرم روسية وهو شأن داخلي روسي.

الأجور والمساعدات الدولية

تشكل أوكرانيا نموذجاً لتفاوت الأجور، بين المركز والأطراف، كما تكشف عن تبعية سلطات كييف للمؤسسات المالية العالمية، مثل: صندوق النقد والبنك الدوليين.

قدم البنك السويسري الشهير «كريدي سويس»، في 21 تشرين الأول 2015، بيانات حول أفقر الدول في القارة العجوز، إذ تصدرت أوكرانيا القائمة، على أساس أسوأ مستوى دخل للفرد سنوياً، ومستوى الرفاهية العام. وبلغ متوسط الأجور السنوي في ذلك الوقت 1437 دولار سنوياً اي حوالي 119 دولار شهرياً للعمال والموظفين، بينما بلغت الأجور الشهرية للمعلمين 175 دولار شهرياً، وأجور الأطباء 294 دولار شهرياً، وإذا ما حسبنا متوسط الأجور العام في أوكرانيا شهرياً، الذي يبلغ 160 دولاراً حسب بيانات وزارة المالية الأوكرانية، فإن معدلات الأجور في أوكرانيا هي أدنى معدلات في القارة الأوروبية سنة 2015.

هذا، وتراجعت العملة الأوكرانية غريفين «هريفينا»، أمام الدولار خلال عام بشكل كبير، وهو ما دفع السلطات الأوكرانية إلى رفع الحد الأدنى للأجور والرواتب، بعد أن تمت المصادقة عليها في  قانون  الميزانية لعام 2017، لتصبح 3200 هريفينا، أي ما يعادل 125 دولار شهرياً. ولم تستطع زيادة الأجور التي دخلت حيز التنفيذ منذ تاريخ الأول من كانون الثاني 2017 إيقاف تراجع القدرة الشرائية للناس، بالإضافة إلى أن ارتفاع ضريبة التدفئة خلال العام الماضي وضع قسماً كبيراً من الناس أمام معاناة برد الشتاء القاسي. 

من جهة أخرى، أعلنت «اللجنة الدولية للصليب» الأحمر بتاريخ 19 كانون الثاني الماضي تخصيص 60 مليون دولار لتمويل «العمليات الإنسانية» في أوكرانيا وذلك في تصريح لبيتر مورير، رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خلال لقاء جمعه مع الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو. وقال بيتر مورير: تعتزم اللجنة الدولية في عام 2017 إلى حشد أكثر من 60 مليون دولار للعمليات الإنسانية في أوكرانيا.

سحب الأسلحة

 الثقيلة من دونباس

أعلن الممثل الخاص لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، في مجموعة الاتصال الثلاثية، الخاصة بتسوية النزاع في أوكرانيا، مارتن سايداك، يوم الخميس 16/2/2017، أنه تم التوصل لاتفاق بين طرفي النزاع في أوكرانيا.

وأشار سايداك، في تصريحات لصحافيين: إلى أن الطرفين وافقا على سحب الأسلحة الثقيلة والمعدات الخاصة من خط التماس في دونباس قبل حلول يوم 20 من الشهر الجاري. وأضاف: إن حجم الأعمال القتالية في منطقة النزاع تقلص كثيراً منذ الاجتماع السابق لمجموعة الاتصال، مشددًا في الوقت ذاته على أهمية الدور الخاص والهام، لبعثة المراقبة والرصد التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في تخفيف حدة التوتر في المنطقة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
798