القطب الصاعد وتفكيك ألغام شبة القارة الهندية

القطب الصاعد وتفكيك ألغام شبة القارة الهندية

تعد منطقة شبة القارة الهندية، وما تضمه من دول الهند وباكستان ونيبال وبنغلادش وتيمور، واحدة من أكثر مناطق العالم المفعمة بالمشاكل المفتعلة من قبل الاستعمار، التي ترتفع تارة وتهدأ تارة، بناءً على تفجير هذا «اللغم» أو ذاك.

المطالبات الانفصالية للقبائل الباكستانية في باكستان، والصراع ضد «طالبان»، وقضية كشمير، وانفصال بنغلادش، و«التوتر الحدودي» الهندي- الصيني في منطقة التيبت، والصراعات الطائفية المؤججة من قوى الاستعمار على امتداد المنطقة، وسباق التسلح بين بعض البلدان، ومعادلة موازين القوى، تعد مشاكل راكدة تحت السطح، وألغاماً يمكن تفجيرها عن بعد في وقت الحاجة الغربية، بهدف تطويق الخصوم، وإلهائهم، وكبح تطورهم.

كيف خُلق التوتر؟

كان يعتبر وجود الاتحاد السوفيتي والصين الشيوعية على الحدود الشمالية لشبه القارة الهندية، تهديداً كبيراً للاستعمار البريطاني، الذي كان ملزماً، تحت ضغط انهيار وزنه ودوره العالمي، بالانسحاب من المنطقة أي شبة القارة الهندية.

على الأثر قامت بريطانيا بتقسيم المنطقة على أساس ديني بين باكستان والهند، وتركت جزءاً من المنطقة دون ترسيم، اسمه كشمير، وقالت: أنه يجب أن يجري استفتاءٌ حول مصير كشمير، وطبعاً كانت القضية تشكل لغماً، حيث اعتبرت باكستان أنها جزء من أراضيها، فدفعت بقوات القبائل غير النظامية لاجتياح كشمير، لترد الهند بإرسال جيشها سنة 1947، أي سنة الاستقلال عن بريطانيا. واستمر النزاع حتى سنة 1949، حيث تم تقسيم كشمير بين الهند وباكستان، ثلثان للهند وثلث لباكستان، وفق معاهدة «كراتشي». لكن غياب الثقة بين الطرفين، والذي عززه الغرب، أعاد التوتر بينهما الذي استمر أعواماً.

الدعم الأمريكي للهند بمواجهة الصين

بهدف الإخلال بموازيين القوى في جنوب آسيا، قامت الولايات المتحدة بفتح دعم غير محدود للهند، بمواجهة الصين عام 1962، في الوقت الذي كانت تفتر فيه قضية كشمير. فدخلت الهند بمواجهة عسكرية، مستشعرة بقوتها بسبب الدعم الأمريكي، لكنها هزمت في التيبت، فانكفأت للداخل مرة أخرى، وجرى دفعها لمواجهة باكستان من جديد من خلال قضية بنغلادش.

إضافة لقضية كشمير، تعتبر قضية بنغلادش من أهم قضايا الخلاف بين الهند وباكستان، ولإشعال التوتر مجدداً بين البلدين، لعبت الولايات المتحدة على موازين القوى المحلية بين الهند وباكستان، لإشعال الحرب مجدداً، حيث دعمت الهند استقلال بنغلادش عن باكستان، وكانت النتيجة حرب سنة 1971 التي انتهت بهزيمة باكستان، واستقلال بنغلادش.

التوتير باستخدام النووي

بعد هدوء نار الحرب بين الدولتين، عملت القوى الغربية من جديد للتوتير بينهما. في العام 1974، أعطت الولايات المتحدة للهند إمكانية إنتاج السلاح النووي، الذي كان سيفجر حرب ضارية بين الهند وباكستان، لولا تدخل الصين التي ساعدت باكستان للحصول على السلاح النووي، ما أمّن معادلة ردع بين الدولتين.

الخلاصة، إن الغرب اشتغل طوال فترة الحرب الباردة على زرع ألغام وبؤر توتر، مستفيداً من وزنه ومن قوته في شبة القارة الهندية، بهدف منع تطورها من جانب، وتطويق الاتحاد السوفيتي والصين من جانب. 

ما بعد الحرب الباردة

هدأت التوترات بين باكستان والهند في هذه المرحلة، بسبب تحويل الغرب استراتيجيته- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي- نحو شرق المتوسط حيث حرب الخليج واحتلال العراق، لكنه لم يضع حلاً لمشاكل الدولتين، ولم يكن وسيطاً نزيهاً، لتتغير طبيعة الاصطفافات في شبة القارة الهندية، حيث أصبحت باكستان مركزاً للمخابرات الأمريكية، التي استخدمتها كقاعدة متقدمة في حروبها على أفغانستان والعراق، الأمر الذي دفع الهند لعقد تحالف ورفيع المستوى مع روسيا، التي أبرمت معها ما يسمى صفقة القرن في عام 2000، حيث قامت روسيا بإعادة ضبط الاستقرار بعد الدعم الأمريكي الكبير لباكستان الذي قدر بـ3 مليارات دولار سنوياً، من خلال تصدير التقانة للهند، إذ بدأت معها برامج مشتركة لتطوير سلاح الطيران والقاذفات وسلاح الدفاع الجوي، وتوجت العلاقات بإصلاحها تماماً بين الهند والصين. وضمن قراءة مشتركة في المنطقة، خرجت مجموعة «بريكس» التي تضم مثلث الهند والصين وروسيا، إضافة لجنوب إفريقيا والبرازيل، وهو ما يشكل بديلاً عن الوجود الأمريكي في المنطقة.

جنوب آسيا مجدداً

يشكل التحالف الروسي- الصيني اليوم أكبر التحديات في وجه الغرب. الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في خطاب الوداع، ذَكّر العالم وشعبه، بأن أكبر خطر على الولايات المتحدة هو روسيا، الأمر الذي يعني أنه للأسباب نفسها سببت إشعال المنطقة في أيام الحرب الباردة، قد تتكرر المحاولات الأمريكية اليوم، وهذا ما تعيه روسيا جيداً، حيث بدأت عملياً في الاستفادة من التراجع الأمريكي في العالم، لإعادة تكوين تحالفات جديدة تضم الأعداء التاريخين، الهند وباكستان، في منظمة واحدة: «منظمة شنغهاي».

ويشير المراقبون الأمريكيون، إلى أن منظمة شنغهاي «هذه المنظمة الدولية غير المعروفة في الغرب تقريباً، سوف تضم نصف سكان العالم». وحسب قولهم، فإن توسع المنظمة، يشير بوضوح إلى أن العالم سيصبح متعدد الأقطاب. وإذا استمر الأمر في هذا الاتجاه، فإن «قمة منظمة شنغهاي للتعاون في (أوفا) تعني بداية هذا الاتحاد، مما يتطلب إيلاؤه اهتماماً أكبر من جانب العالم الغربي».

الهدف أصبح تدمير 

هذه الدول من الداخل

لم يعد الإخلال بموازين القوى بين الهند وباكستان وحده الطريقة في دفع الدولتين نحو حرب جديدة، لأن ذلك قد غدا أكثر صعوبة، بحكم التوازن النووي، وبسبب توجه المنطقة للتوحد في مواجهة الغرب، لذلك يعد دفع الدولتين نحو الحروب الأهلية الداخلية طريقة أفضل في استراتيجية الاحتواء الأمريكي للمنطقة برمتها، وإشغالها بالحركات الانفصالية وتغذيتها، كحركة «طيبة» التي تطالب باستقلال كشمير، وبعض منظمات «اليسار الفوضوي» الهندي الذي يعتمد العنف المسلح، وأيضاً في باكستان «حركة بلوشستان» التي تشكل خطراً أيضاً على ايران، وهي حركات انفصالية كانت تغذيها أجهزة مخابرات دول مختلفة.

وعليه، يكمن الهدف الغربي الاستراتيجي في منع استقرار دول منظمة «شنغهاي»، أما دول المنطقة- وبرغم التعقيدات كلها التي يمكن حلها بسهولة في حال توقف الغرب عن زرع الألغام والتدخل في شؤون هذه البلاد- فإنها محكومة في المقابل بأن توحد جهودها في وجه التدخلات الخارجية المحتملة، وهذا أمر لا يمكن أن يتم دون تحالفات عسكرية واقتصادية بين شعوب المنطقة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
793
آخر تعديل على السبت, 14 كانون2/يناير 2017 14:24