فنزويلا وضربات اليمين: المواجهة لآخر نفس

فنزويلا وضربات اليمين: المواجهة لآخر نفس

تعيش فنزويلا أزمة اقتصادية حادة، ناتجة عن انخفاض أسعار النفط في العامين الماضيين. وتعاني أيضاً من نقص حاد في المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، ونسبة كبيرة من التضخم وانخفاض إيرادات الميزانية، وقد وجدت المعارضة اليمينية فرصتها لتحميل الرئيس، نيكولاس مادورو، المسؤولية الكاملة عن الوضع الحالي، فهل هذا ما يحدث حقاً؟

شهدت فنزويلا منذ نهاية 2015 أحداثاً سياسية صاخبة، حيث خسارة اليسار الفنزويلي لمعركة الانتخابات البرلمانية، واستمرار هبوط أسعار النفط عالمياً، وتأثيراته على الاقتصاد الفنزويلي، وتحكم الشركات الكبرى بقطاعات كثيرة من الاقتصاد الفنزويلي، مثل الهاتف والتلفاز والاتصالات، واستخدام هذه القطاعات في الصراع ضد «البوليفاريين»، ومحاولات المعارضة اليمينية المستمرة من أجل تنفيذ انقلاب برلماني، أو «ثورة ملونة» على الطريقة الأوكرانية، ووصولاً إلى، وخنق الدولار للاقتصاد. 

الصراع بين البرلمان والمحكمة العليا

نظمت المعارضة في البرلمان الفنزويلي مساء الإثنين 9 كانون الثاني 2017 تصويتاً لصالح عزل الرئيس، نيكولاس مادورو، من منصبه، بحجة القصور في أداء واجباته الوظيفية. وقد صوت لصالح هذا القرار غالبية النواب «106 نائباً»، بحسب صحيفة «ناشيونال» المحلية، وغادر النواب اليساريون قاعة البرلمان في بداية التصويت. 

وبالرغم من مصادقة البرلمان على هذا القرار، إلا أنه واقعياً لا يحمل أية سلطة، إذ أنه وبحسب السلطات الفنزويلية، فإن إجراء «إقالة الرئيس» غير منصوص عليه في الدستور. في المقابل، تدعي المعارضة أنها تصرفت في إطار المادة «233» من الدستور الفنزويلي، والتي تنص على أنه في حال خلو منصب الرئيس، سيتم الإعلان عن انتخابات رئاسية جديدة، وهو ما يراه كثيرون أنه تفسير غير واقعي لمادة الدستور.

ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فقد تفاقمت الأزمة في فنزويلا قبل عام، عندما قامت المعارضة بتحميل الرئيس مادورو ما يجري في البلاد، وسعيها إلى تنظيم انقلاب برلماني، وادعاء البرلمان وقوع انتهاك للدستور من قبل الرئيس، وفي وقت سابق، قضت المحكمة العليا بأن على المعارضة أن تتوقف عن توجيه الاتهامات للرئيس، ووقف إجراءات عزله. 

وأكدت المدعية العامة الفنزويلية، لويزا أورتيغا لوبيز، في نهاية تشرين الأول 2016 أنه «لا يمكن حتى اقتراح حجب الثقة عن الرئيس، وأن هذا الإجراء ممكن فقط فيما يتعلق بنواب الرئيس والوزراء». ووصفت المحكمة العليا خطوات المعارضة ضد الرئيس مادورو بأنها غير دستورية. 

الأزمة النفطية

شهدت فنزويلا العام الماضي أكبر انخفاض سنوي في إنتاجها النفطي منذ 15 عاماً، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية في البلاد، في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية، بحسب تقارير اقتصادية. وعلى مدى 12 شهراً حتى نهاية حزيران 2016، تراجع إنتاج النفط الخام في فنزويلا- الدولة العضو في منظمة «أوبك»- بنسبة 9%، ليصل إلى 2.36 مليون برميل يومياً، بينما زادت أوبك إنتاجها مجتمعة بنسبة 4%، بحسب البيانات الرسمية للمنظمة.

وأكد وزير النفط الفنزويلي إيولوخيو دل بينو- الذي يرأس شركة النفط الوطنية «بتروليوس دي فنزويلا» - في تموز 2016 انخفاض إنتاج البلاد بمقدار 220 ألف برميل يومياً، أو نحو 8% منذ بداية العام الجاري، مقارنة مع عام 2015.

ونقلت وسائل إعلام عن بيانات التجارة الداخلية والإمدادات، أن صادرات «بتروليوس دي فنزويلا»، وهي مصدر 94% من إيرادات البلاد من العملة الصعبة، انخفضت إلى 1.19 مليون برميل يومياً. وكان هذا الدخل يستخدم لدعم الفقراء الذين يمثلون 80% من سكان البلاد، بالإضافة إلى دفع الديون الفنزويلية للشركات الكبرى. 

وبعد أشهر من انقطاعات مفاجئة للكهرباء، بدأت الحكومة برنامجاً لترشيد استخدام الطاقة الكهربائية في معظم أرجاء البلاد، مع استثناء العاصمة كراكاس. ويعود نقص الطاقة الكهربائية في البلاد إلى الجفاف، الذي قلص منسوب مياه السد الرئيسي في فنزويلا، والمحطة الكهرومائية في جوري، لتقترب من المستويات الحرجة، حيث يوفر السد حوالي ثلثي حاجات البلد، من الطاقة الكهربائية.

بدأت الشركات الرأسمالية الكبرى والقطاع الخاص الفنزويلي باستغلال هذا الوضع، ليتسببوا بأزمة اقتصادية في القطاعات التي يسيطرون عليها، كالاتصالات وغيرها. ولمواجهة وضع انخفاض أسعار النفط عالمياً، أجرى وزير النفط الفنزويلي اتصالات مع أعضاء منظمة أوبك للتفاوض من أجل تعديل أسعار النفط،  كما صرح وزير النفط الروسي بأن روسيا أكبر منتج للنفط في العالم لا تجد مانعاً للبدء في هذه المحادثات. 

التضخم والأجور ورجال الأعمال

سجلت فنزويلا عام 2015 معدل تضخم بلغ 180.9%، هو من بين الأعلى عالمياً، بينما كان التراجع سنة 2014 68.5%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7% للعام الثاني على التوالي. 

وأعلن مادورو في كلمة وجهها عبر التلفزيون عن زيادة في الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 بالمئة سنة 2015، وقد قال: أنها بالإضافة إلى زيادات سابقة للحد الأدنى للأجور ستعني زيادة إجمالية قدرها 137 بالمئة منذ بداية العام. وألقى مادورو اللوم في زيادات الأسعار على كبار رجال الأعمال والمعارضة، وأضاف: أن هذه الزيادة «أكبر بكثير من التضخم المجرم الناتج عن المضاربات والتحريض لعام 2015 الذي أبلغني به البنك المركزي والمعهد الوطني للإحصاءات».

قررت كراكاس رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50% نهاية صيف 2016، في وقت تعيش فيه البلاد حالة اقتصادية مزرية، ارتفع على إثرها معدل التضخم إلى مستويات قياسية، ما أضعف القوة الشرائية للمواطنين. وفي بث تلفزيوني، أعلن مادورو، زيادة الحد الأدنى للأجور ابتداءً من أيلول 2016. وبذلك، سيرتفع الحد الأدنى للأجر ‬‬الشهري إلى 22577 بوليفار، ما يعدل نحو 23 دولاراً بسعر السوق السوداء.

ما هو الممكن؟

كان لافتاً خلال الأسبوع الماضي، تعيين الرئيس مادورو نائباً جديداً له، هو طارق العيسمي، والذي تروج وسائل إعلام فنزويلية إلى أنه سيخلف مادورو في أية حالة طوارئ قد تحدث. والعيسمي، بحسب ما تداول الإعلام عنه، هو الأكثر قرباً من سياسات الرئيس مادورو، وتربطه علاقات جيدة مع كل من روسيا وإيران والسعودية. وبمعزل عن التفاصيل، بدا التوجه الرسمي الفنزويلي لافتاً في بحثه السريع عن بدائل تؤمّن البلاد، وتبقيها بعيدة قدر الإمكان من سيناريو انتقال السلطة إلى قوى اليمين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
793